
حافظ السعيد
ولد حافظ السعيد في مدينة غزة في سنة 1843. والده: الشيخ سعيد المصطفى. أخواه: مصطفى، عاصم. ابنه: حلمي.
عندما ولد حافظ السعيد كان والده الشيخ سعيد المصطفى يعمل متسلماً للواء غزة، بعد أن عمل متسلماً للواء يافا. وتعود أصوله إلى عائلة مغربية استوطنت في فلسطين منذ عدة قرون، وتولى عدد من أفرادها مناصب الإدارة في جنوب فلسطين العثمانية منذ أوائل القرن التاسع عشر.
توفي والده قبل أن يبلغ السنة من عمره، فرعاه أخوه مصطفى بك السعيد الذي سار على خطى والده، فكان متسلماً ليافا ثم متسلماً للقدس في أواسط ثلاثينيات القرن التاسع عشر خلال الحكم المصري في فلسطين. وقد حاول اليهود في عهده أن يشتروا بعض الأراضي، فاستصدر قراراً من مجلس القدس يفيد بأن حكم الشريعة لا يقرّ شراءهم الأرض، ويحصر حقهم في التجارة. وفي الأربعينيات، عُيّن مصطفى بك مأمور ضبطية ومالية القدس وغزة ويافا، ثم قائمقام غزة عدة مرات في الخمسينيات. واستقرت عائلته في يافا التي تولى قائمقاميتها في بداية الستينيات، فكان بذلك أحد رجال الإدارة والحكم البارزين في أواسط القرن التاسع عشر.
تعلّم حافظ السعيد في مدينة القدس على أعلام عصره العلوم الدينية والدنيوية، فأبدع في النثر، وقرض الشعر وأجاد اللغتين العربية والتركية.
بدأ سيرته المهنية في ميدان الإدارة العامة، إذ عيّن في البداية مديراً لناحية الرملة، ثم مديراً لناحية بيت لحم ما بين سنتَي 1873-1874. ورُقّي إلى منصب قائمقام قضاء بني صعب (طولكرم)، وأنعم عليه السلطان عبد الحميد، في سنة 1878، برتبة "بالا"، بحيث صار يُلقّب بـ "حضرة صاحب العطوفة".
خلال وجوده في بلدة بيت لحم، نشب خلاف شديد في كنيسة المهد بين الرهبان الأرثوذكس، من جهة، والرهبان اللاتين، من جهة ثانية، بشأن ممارسة الطقوس الدينية في الكنيسة ومواقيتها، أدّى إلى صدام مسلح بين الطرفين، وإلى تدخل روسيا لمصلحة الأرثوذكس وفرنسا لمصلحة اللاتين. فعهدت الحكومة العثمانية إلى السعيد بحل هذا الخلاف، فأعدّ تقريراً رفعه إلى مديرية المذاهب في الباب العالي، حدد فيه حقوق كل طائفة، فتبنته المديرية وكلفته بالعمل على تنفيذه.
عاد حافظ السعيد إلى مدينة يافا، حيث عُيّن رئيساً لمحكمة التجارة فيها، وصار يدير أملاك العائلة وعقاراتها الكثيرة، ثم انتًخب عضواً في مجلس إدارة يافا مرتين.
في سنة 1882، وفي إثر ثورة أحمد عرابي باشا في مصر ضد الخديوي توفيق باشا والتدخل الأجنبي، ولاتصال يافا بها بحراً، عهدت الدولة العثمانية إلى حافظ السعيد وكالة قائمقامية يافا لكفايته وحزمه. ثم عيّنته رئيساً لبلدية مدينة يافا فعمل على تحسينها وشق الطرقات فيها. ومنحه إمبراطور ألمانيا غليوم، لدى زيارته المدينة في إطار جولته في المناطق العثمانية في أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1898، وسام "النسر الأحمر"، كما منحته الدولة العثمانية "الرتبة الثانية المتمايزة".
اعتقلته السلطات العثمانية في سنة 1905 لفترة قصيرة أيام ملاحقتها القائمين على إصدار منشورات قومية عربية، إذ اتُهم بأنه من المروجين لهذه المنشورات.
بعد نجاح "جمعية الاتحاد والترقي" باستلام السلطة، وقيامها بتفعيل العمل بالدستور في تموز/ يوليو 1908، بدأت التحضيرات في متصرفية القدس لانتخاب ثلاثة نواب عنها إلى مجلس المبعوثان في الآستانة. وفاز في انتخابات المجلس الذي عُقدت جلسته الأولى في 17 كانون الأول/ ديسمبر 1908 كلٌ من حافظ بك السعيد، ومحمد روحي بك الخالدي وسعيد بك الحسيني.
طالب حافظ بك السعيد في مجلس المبعوثان باعتماد اللغة العربية لغة رسمية في الدولة، كما أثار قضية الاستيطان الصهيوني وبيع الأراضي إلى اليهود، ودعا، في سنة 1909، إلى إغلاق ميناء يافا في وجه الهجرة اليهودية.
ويبدو أنه صار يتغيّب عن حضور جلسات مجلس المبعوثان، ويفضّل البقاء في مدينته يافا، إذ نشرت "جريدة القدس"، لصاحبها جورجي حبيب حنانيا، في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1910، رسالة من أحد أبناء يافا ينتقد فيها تقاعس مبعوث لواء القدس عن قضاء يافا، حافظ بك السعيد، "عن القيام بالمهمات التي انتُخب من أجلها، وتمضيته الوقت في مدينته"، ثم خاطبت المبعوث بـ "لسان الأمة"، كي "يتوجّه إلى مأموريته وخدمته المقدسة، أو يستقيل منها ليوفر على صندوق الأمة المعاش الذي يستوفيه، فهي أحق به منه".
كانت الانتخابات التي جرت في سنة 1908 لمجلس المبعوثان هي الوحيدة التي شارك فيها حافظ بك السعيد، إذ إنه لم يترشح للدورتين الانتخابيتين التاليتين في نيسان/ أبريل وأيار/ مايو 1912، وفي نيسان 1914.
شارك حافظ بك السعيد، في سنة 1912، في عضوية "حزب اللامركزية الإدارية العثماني"، الذي أسسه في مدينة القاهرة عدد من القوميين العرب الشوام، وكان له شبكة من "لجان الإصلاح" في المدن العربية العثمانية وخصوصاً في بيروت، وأصبح معتمداً لهذا الحزب في مدينة يافا. وكان من ضمن أهداف هذا الحزب أن تصبح اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية، وأن تسند معظم الوظائف إلى السكان المحليين من العرب، وأن تستشار السلطات المحلية عند تعيين الموظفين المركزيين، وأن تمارس الخدمة العسكرية محلياً في زمن السلم، وأن توسع صلاحيات مجالس الولايات.
في كانون الثاني/ يناير 1913، عُقدت في بيروت جمعية عمومية إصلاحية، بمشاركة 86 عضواً منتخبين من المجالس الملية والرؤساء الروحيين، سنت لائحة مطالب باسم "لائحة الإصلاح لولاية بيروت"، على قاعدة مبدأ اللامركزية الإدارية.
لاقت هذه المبادرة الإصلاحية البيروتية تأييداً كبيراً من بعض وجهاء متصرفية القدس، وعلى رأسهم حافظ بك السعيد، الذي شارك في النقاشات التي صارت تدور حول ضرورة الإصلاح في متصرفية القدس.
في 19 آذار/ مارس 1913، أرسل حافظ بك السعيد برقية إلى الصدر الأعظم وناظر الداخلية في الآستانة يطالبهما فيها بأن يشمل مبدأ اللامركزية الإدارية فلسطين نظراً إلى أهميتها المعلومة، ومما جاء فيها: "ويجب أن نتحقق أيضاً بأننا بعد مصائبنا الناتجة عن سوء الإدارة وعدم الإصلاح..، اضطرت بيروت إلى طلبه (الإصلاح)، والإصرار على استعجال إجرائه لاستخلاص الوطن بهذه الصورة من المطامع الأجنبية. وبما أن أهمية فلسطين معلومة، فأعدُّ أن البحث في بيانها زائد، وأكتفي أن أطلب سرعة تطبيق تلك الإصلاحات الواسعة فيها لضرورة خلاص وطننا المقدس الذي هو في حالة النزع، لأن مرض سوء الإدارة مزمن في مملكتنا، مهدد لحياتها، موجب للإسراع بلزوم إمدادها بإجراء لائحة بيروت الإصلاحية، فإنها العلاج الوحيد الموافق لحفظ حياتها..، فأسترحم التفضل بإعطاء الأمر بسرعة تطبيقها."
أثارت برقية حافظ بك السعيد جدلاً واسعاً في مدينة يافا، إذ عارضها أعضاء مجلس البلدية، وغرفة التجارة فيها، وبعض الرؤساء الروحيين، ونفوا عنه أي صفة عمومية، إلاّ إن 21 وجيهاً من وجهاء المدينة أيّدوا ما ورد فيها، وأرسلوا برقية جديدة إلى الصدر الأعظم، جاء فيها: "نؤيد تلغراف مبعوثنا السابق حافظ بك السعيد لاعتلاء وطننا العزيز تحت ظل الراية العثمانية، نسترحم بإلحاح تطبيق لائحة بيروت الإصلاحية في لوائنا، وعدم الالتفات لما عرضه لفخامتكم بعض المتملقين الذين يريدون بقاء الحالة السيئة الحاضرة، محافظة على وظائفهم."
في 27 آذار/ مارس 1913، أصدرت الحكومة المركزية في الآستانة قراراً يقضي بحظر نشاط جمعية بيروت الإصلاحية وإقفال ناديها. فجرى تنظيم حملة احتجاج واسعة في بيروت على قرار الحظر هذا، تعاطف معها حافظ بك السعيد، ونشر مقالاً في جريدة "القدس"، في 3 أيار/ مايو 1913، بعنوان: "رأي في الإصلاح"، نفى فيه عن دعاة الإصلاح في بيروت تهمة الارتباط بالخارج، مؤكداً أن الإصلاح هو وحده الذي يحفظ الوطن العثماني ويصونه من طمع الأجانب، ومما جاء في هذا المقال: "لَمن الغريب أن فريقاً بينهم البعض من أفاضل الكُتّاب وأكثر مأموري الحكومة، يتشاءمون أن يسمعوا لفظة الإصلاح، يرونها مرادفة لألفاظ الخراب والدمار.. ينسبون إليهم [إلى طالبي الإصلاح] أنهم يتحركون بيد أجنبية، مع أن خشيتهم أن تمسسهم تلك اليد التجأوا لطلب الإصلاح.. وهيهات، فإن حب الوطن، والشغف بمحافظة عثمانيته وصيانته من الطمع الأجنبي، بإجراء الإصلاح فيه وإعلاء شأن الدولة، قد سرى مع الدم في أجسام أهل أكثر الولايات."
كان حافظ بك السعيد من ضمن القوميين العرب الذين اعتقلهم أحمد جمال باشا، حاكم بلاد الشام، في منتصف سنة 1915، لمطالبتهم بالإصلاح، ووجّه إليهم تهمة التعامل مع دول أجنبية. وجرت محاكمته في ديوان المحاكم العرفية في عاليه في جبل لبنان، فكان له موقف جريء أثناء المحاكمة.
حُكم على حافظ بك السعيد بالإعدام، لكن هذا الحكم استُبدل بالسجن المؤبد نظراً إلى كبر سنه، لكنه توفي في سجن قلعة دمشق في سنة 1916، ويُعتقد أنه دُفن سراً في مكان لا يزال مجهولاً.
حافظ بك السعيد من أعلام مدينة يافا، برز بصفته رجل إدارة وأديباً؛ ضحى بحياته في النضال من أجل مطالب العرب الإصلاحية القومية في أواخر العهد العثماني.
المصادر:
"أوراق لبنانية". يصدرها يوسف إبراهيم يزبك. الجزء الثاني عشر، كانون الأول/ ديسمبر 1955.
حمادة، محمد عمر. "أعلام فلسطين من القرن الأول حتى الخامس عشر هجري، من القرن السابع حتى العشرين ميلادي". المجلد الثاني. دمشق: دار قتيبة، 1988.
الحوت، بيان نويهض. "القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917- 1948". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1981.
الزركلي، خير الدين. "الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين". ط 7. بيروت: دار العلم للملايين، 1986.
الشريف، ماهر. "جريدة القدس وبواكير الحداثة في متصرفية أو لواء القدس". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2024.
منّاع، عادل. "أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني 1800 – 1918". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1995.
"الموسوعة الفلسطينية: القسم العام". المجلد الثاني. دمشق: هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984.