حدثت النكبة
الفلسطينية تقريباً بالتزامن مع إنشاء
كان موقف الجمهورية الاتحادية في بداية تشكيلها من قضية فلسطين مبنياً على ضرورتين: متطلبات الحرب الباردة التي استلزمت إقامة علاقات ودية مع الدول العربية المستقلة حديثاً، والحاجة إلى نيل الشرعية الدولية وإثبات أن الجمهورية الاتحادية تمثل قطيعة كبيرة مع
ألمانيا الغربية وإسرائيل في أوائل الحرب الباردة (1952 – 1965)
تمثّلت الخطوة الأولى في اتجاه إنشاء علاقات بين ألمانيا الاتحادية وإسرائيل في توقيع اتفاقية لوكسمبورغ سنة 1952
بين أول مستشار لألمانيا الغربية،
كان التطور الاقتصادي الذي حققته إسرائيل خلال العقد الأول من وجودها مستحيلاً لولا اتفاقية لوكسمبورغ؛ فقد تلقّت الحكومة الإسرائيلية مبلغاً قدره ثلاثة مليارات مارك على مدار الأربعة عشر عاماً التالية، تم إنفاقه إلى حد كبير على شراء البضائع الألمانية. وكانت المساعدة الألمانية حاسمة في مجالات مثل الكهرباء وبناء سكك الحديد والشحن والتعدين، وخصوصاً أن فرنسا - الحليف الرئيسي لإسرائيل في ذلك الوقت - لم تكن قادرة على تقديم أي مساعدات اقتصادية كبيرة لهذه الأخيرة.
وعلى الرغم من المقايضة التي كانت اتفاقية لوكسمبورغ قد انطوت عليها، فإن إنشاء علاقات دبلوماسية بين بون وتل أبيب
لم يتم في تلك الفترة، إذ كانت ألمانيا الغربية تعتبر نفسها الدولة الألمانية الشرعية الوحيدة وكانت تسعى إلى منع الاعتراف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية بأي وسيلة ممكنة. وتجسّد هذا المسعى في
جسدت أحداث سنة 1956 التحالف الناشئ بين بون وتل أبيب. فبينما عارضت الولايات المتحدة بحزم
نحو سياسة أكثر توازناً (نسبياً) (1965 – 1991)
في سنة 1965، أقامت ألمانيا الغربية علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل. وسبق ذلك تسريبات صحافية بشأن شحنات الأسلحة الألمانية، وكذلك زيارة زعيم جمهورية ألمانيا الديمقراطية
اتخذت حكومة ويلي براندت موقفاً أكثر حزما تجاه إسرائيل من أسلافها في
ومع ذلك، كان العامل الأكثر أهمية في السياسة الخارجية الألمانية الغربية الجديدة في الشرق الأوسط هو مسألة إمدادات الطاقة. إذ أدى اعتماد إسرائيل شبه الكامل على الولايات المتحدة وتعنّتها إزاء أزمة الشرق الأوسط إلى تليين موقف دول أوروبا الغربية تجاه الدول العربية التي كانت تعتبر، على الأقل لفظياً، أن عدم التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية يمثّل العقبة الرئيسية أمام السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. بذلت حكومة براندت جهوداً جدية لإصلاح العلاقات المتضررة مع العالم العربي، وبحلول عام 1974، أعيدت جميع العلاقات الدبلوماسية التي قُطعت في عام 1965. وكانت ألمانيا الغربية قد رفضت، خلال حرب عام 1973
العربية-الإسرائيلية، تحليق طائرات الجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة لإمداد إسرائيل بالأسلحة، فوق أراضيها. كما تزايدت اتصالاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية
في أعقاب برنامج النقاط العشر
الذي تم طرحه سنة 1974 وتبنّى ضمناً حل الدولتين، فضلاً عن اعتراف
لم يؤثر اعتراف ألمانيا الغربية بهموم الفلسطينيين وقضيتهم في علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية الواسعة مع إسرائيل. فعلى سبيل المثال، أعقب العملية التي نفذها مسلحون فلسطينيون، وأدت إلى مقتل رياضيين إسرائيليين خلال دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ سنة 1972
، قيام تعاونٌ مكثف في مجال "مكافحة الإرهاب" بين الجانبين. ولم يكن استعداد بون للتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية مدفوعاً بالمبادئ المعيارية بقدر ما كان ناجماً عن الحاجة إلى توسيع العلاقات مع الدول العربية الغنية بموارد الطاقة، فضلاً عن هدف الحفاظ على استقرار الأنظمة العربية الموالية للغرب في مواجهة القوى الراديكالية ومشاريعها التي يمكن أن تتسبب في اضطرابات داخل هذه الدول. وعلى غرار فرنسا، استخدمت ألمانيا الغربية مسألة تقرير المصير الفلسطيني لتعزيز الصفقات الاقتصادية ومبيعات الأسلحة في المنطقة وإبعادها عن النفوذ السوفياتي. وقد وصلت العلاقات بين ألمانيا الغربية وإسرائيل إلى أدنى مستوياتها في سنة 1981، عندما اتهم مناحيم بيغن
، رئيس الحكومة من
أدت محاولات بون للبقاء على الحياد، خلال حرب الخليج الثانية في سنة 1991، إلى حدوث توترات؛ فخلال الحرب الإيرانية-العراقية (1980 – 1988)، كانت شركات ألمانية غربية قد باعت العراق مكونات لبرنامج الأسلحة الكيميائية. وعندما هاجم العراق إسرائيل بصواريخ سكود في محاولة للتأثير في التحالف الغربي العربي ضده في أعقاب غزوه الكويت ، سارعت ألمانيا إلى طمأنة إسرائيل بتأكيد التزامها بأمن هذه الأخيرة. وقدمت الحكومة الألمانية الدعم لبناء ثلاث غواصات ألمانية الصنع من طراز دولفين لإسرائيل، ثم وافقت على بناء ثلاث غواصات أُخرى (آخرها يُعتقد أنه تم الاتفاق على تشغيلها في سنة 2023)، مع دعم تمويلها بمقدار الثلت. فضلاً عن ذلك، نصت مذكرة تفاهم موقعة في سنة 2017 بين البلدين على تسليم ثلاث غواصات إضافية بحلول أواخر عشرينيات هذا القرن، على أن تدفع ألمانيا ثلث كلفتها على شكل إعانات لأحواض بناء السفن الألمانية. وهناك شبهات على نطاق واسع في أن إسرائيل، وهي دولة غير موقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ، جهزت الغواصات التي تسلمتها بصواريخ باليستية ذات رؤوس نووية، وهو ما يجعل ألمانيا متواطئة في انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وأخيراً، وكما هي الحال مع المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، فإن تسليح ألمانيا لإسرائيل مفيد لصناعة بناء السفن الألمانية المتعثرة.
جمهورية ألمانيا الديمقراطية وفلسطين (1949 – 1990)
على عكس ألمانيا الغربية، لم يكن لألمانيا الشرقية أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. فخلال الفترة 1947 – 1949، وتمشياً مع التوجّه السوفياتي، كان
السياسة الألمانية بعد إعادة التوحيد
ساهمت عملية أوسلو
بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في تخفيف معضلات السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينية. وأمكن لألمانيا الموحدة أن تحافظ على علاقتها الخاصة مع إسرائيل بينما تقوم بتمويل إنشاء المؤسسات الوطنية الفلسطينية. وتمثل فلسطين في
ومع ذلك، تؤدي ألمانيا دوراً رئيسياً في النزاع باعتبارها حليفاً لإسرائيل وداعماً مالياً لـ السلطة الفلسطينية
في آن واحد. وقد أنشأت المؤسسات التابعة للأحزاب السياسية في
خلاصة
كانت جمهورية ألمانيا الاتحادية تاريخياً من أهم حلفاء إسرائيل الإستراتيجيين والحيويين. وقد تصوّرت الأوساط الحاكمة في ألمانيا أن إنشاء علاقة خاصة مع إسرائيل سيعني قطع الاستمرارية متعددة الأوجه بين الرايخ الثالث والجمهورية الاتحادية. وفي مرحلة علاقاتهما المبكرة، كانت الجمهورية الاتحادية وإسرائيل مقيدتين بمعاداة الشيوعية خلال الحرب الباردة، وعدم الثقة في سياسات تكيف الولايات المتحدة الأميركية مع النظام الدولي ثنائي القطب وتوجهها نحو الانفتاح على العالم العربي. وتوترت العلاقات بين ألمانيا الغربية وإسرائيل مع تباين المصالح بين الجمهورية الاتحادية والولايات المتحدة في عصر الانفراج بين الشرق والغرب. ومع تعزز علاقات الولايات المتحدة بإسرائيل، وخصوصاً بعد سنة 1967، سعت ألمانيا الغربية إلى تطوير علاقاتها مع العالم العربي، مدفوعة في المقام الأول بالحاجة إلى صفقات النفط والتجارة والأسلحة. وفي ضوء اندراج السياسة الخارجية لألمانيا الغربية ضمن السياسة الأوروبية، اعترفت بون بالهموم الفلسطينية، لكنها عملت على تشكيل ثقل مضاد للميول الفرنسية الأكثر تأييداً للعرب داخل
ويمكن الادعاء بأنه لم تكن هناك قط سياسة ألمانية محددة بشأن قضية فلسطين، لأن هذه السياسة كانت دائماً مشتقة من الهدف الأوسع المتمثل في موازنة العلاقة الخاصة مع تل أبيب من ناحية وضرورة الحفاظ على العلاقات الاقتصادية الودية مع العالم العربي من ناحية أُخرى. علاوة على ذلك، فإن عملية التطبيع الحالية بين إسرائيل وبعض الدول العربية والتي تستهدف إيران في المقام الأول، تقلل من التكاليف السياسية لمواقف ألمانيا التي تقف موقف المتفرج إزاء الحصار المستمر الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة ، والبناء المستمر للمستوطنات، والضم الزاحف في الضفة الغربية، وتقليص وتقييد حقوق المواطنين الفلسطينيين في داخل إسرائيل. وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال دعم ألمانيا الكامل لحملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية خلال هجومها على قطاع غزة في أواخر سنة 2023، وامتناعها عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يقضي بوقف إطلاق النار في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
Fischer, Leandros. “Deciphering Germany’s Pro-Israel Consensus.” Journal of Palestine Studies 48, no.2 (2019): 26–42. DOI: 10.1525/jps.2019.48.2.26.
Lewan, Kenneth M. “How West Germany Helped Build Israel.” Journal of Palestine Studies 4, no.4 (1975): 41–64. https://doi.org/10.2307/2535601.
Lewan, Kenneth M. “Germany’s Mid-East Policy.” Journal of Palestine Studies 11, no.3 (1982): 135–39. https://doi.org/10.2307/2536078.
Marwecki, Daniel. Germany and Israel: Whitewashing and Statebuilding. London: C. Hurst, 2020.
Scheffler, Thomas (1988). “Die Normalisierung der Doppelmoral: Vierzig Jahre deutsch-israelische
Beziehungen,” PROKLA 18, 73, pp.76–96. https://doi.org/10.32387/prokla.v18i73.1274.
محتوى ذو صلة
سياساتي - برامجي
الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، القاهرة
1974
1 حزيران 1974 - 8 حزيران 1974
مؤسساتي دبلوماسي
قرار ج.ع. 67/19: منح فلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة مراقب في الأمم المتحدة
2012
29 تشرين الثاني 2012