بعد
تعريف التحالف لمعاداة السامية وأمثلته
في أيار/ مايو 2016، اعتمدت الهيئة العامة في التحالف الدولي "التعريف العملي التالي غير الملزم قانوناً لمعاداة السامية":
معاداة السامية هي تصور مُعيَّن لليهود، قد يُعبّر عنه بالكراهية تجاه اليهود. وتستهدف المظاهر البلاغية والجسدية لمعاداة السامية الأفراد اليهود أو غير اليهود و/أو ممتلكاتهم، والمؤسسات المجتمعية اليهودية ومرافقهم الدينية.
وأُلحق بالتعريف العملي نص توضيحي يهدف إلى "إرشاد التحالف الدولي في عمله." وأكد النص أن معاداة السامية قد تستهدف "دولة إسرائيل، باعتبارها جماعة يهودية"، لكنه لفت إلى أن "انتقاداً لإسرائيل، مماثلاً للنقد الموجه لأي دولة أُخرى، لا يمكن اعتباره معاداة للسامية."
ثم أورد النص التوضيحي أحد عشر "مثالاً" لأفعال أو تعبيرات "قد تُشكل، مع مراعاة السياق العام"، معاداة للسامية. وتتعلق أربعة من هذه الأمثلة بإسرائيل:
- "حرمان الشعب اليهودي من حقه في تقرير المصير، على سبيل المثال، بالادعاء بأن وجود دولة إسرائيل مسعى عنصري."
- "تطبيق ازدواجية في المعايير [تجاه إسرائيل] من خلال مطالبتها بسلوك غير متوقع أو مطلوب من أي دولة ديمقراطية أُخرى."
- "استخدام الرموز والصور المرتبطة بمعاداة السامية التقليدية (مثل الادعاء بأن اليهود قتلوا المسيح أو الافتراء الدموي [Blood Libel]) لوصف إسرائيل أو الإسرائيليين."
- "المقارنة بين السياسات الإسرائيلية المعاصرة وسياسات النازيين."
كما صنَّف النص التوضيحي: (1) "الأفعال المعادية للسامية" على أنها "إجرامية" عندما "يُعرّفها القانون على هذا النحو"؛ (2) و"الأفعال الإجرامية" على أنها "معادية للسامية" عندما تُوجّه ضد أهداف اختيرت بسبب تصور وجود "صلة" لها باليهود؛ (3) و"التمييز المعادي للسامية" على أنه "حرمان اليهود من الفرص أو الخدمات المتاحة للآخرين."
قدّم مؤيدو تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست هذه الوثيقة على أنها "أداة حيوية أساسية" تُمكّن السلطات من تحديد مظاهر معاداة السامية على نحو متّسق وموحّد ومن ثمّ اتخاذ الإجراءات اللازمة بناء على ذلك. وأشاروا بأن تشمل السلطات المعنية بذلك القضاة الذين يطبقون قوانين جرائم الكراهية؛ جامعي البيانات الذين يُقررون الحوادث التي يُدّعى أنها معادية للسامية؛ منصات التواصل الاجتماعي التي تُشرف على المحتوى الإلكتروني؛ مديري الجامعات الذين يُحددون الخطاب المسموح به في الحرم الجامعي؛ الهيئات العامة التي تُحدد المشاريع البحثية ومشاريع المجتمع المدني وتلك الثقافية الجديرة بالتمويل.
وادّعى مؤيدو التعريف أنّ السلطات فشلت في السابق في تصنيف الأحداث المعادية للسامية عندما تجلّت في شكل خطاب معادٍ لإسرائيل أو عمل موجه ضدها؛ وادعوا أن السلطات يمكنها الآن تطبيق تعريف التحالف الدولي والاسترشاد بالأمثلة المرفقة به للخروج بتقييمات متناسقة في الحالات الصعبة.
الانتقادات
جادل منتقدو النص بأنّه غير كافٍ لثلاثة أسباب رئيسية:
النص غير واضح وغير قاطع. كان التعريف العملي المُكوّن من جملتين غامضاً لدرجة فراغه من أي مضمون، إذ نصّ على أن معاداة السامية هي "تصور مُعيَّن لليهود" من دون تحديد كنه هذا "التصور". ولم يكن من الممكن تطبيق الأمثلة المصاحبة للأفعال أو التعبيرات التي "من شأنها، مع مراعاة السياق العام"، أن تُشكّل معاداة للسامية، بصورة متناسقة، لأن النص لم يُحدد أي "السياقات" يمكن أن ينطبق عليها التعريف. وأخيراً، كانت بعض الأمثلة غامضة بحد ذاتها وتفسح في المجال لعدة تأويلات. على سبيل المثال، عادةً، يتطلب تحديد ما إذا كان تصريح مُعيَّن يطبق "ازدواجية في المعايير" تجاه إسرائيل الرجوع إلى أحكام تاريخية وسياسية وقانونية سابقة بخصوص مسائل معقدة في مجالات تثير الكثير من الجدل. ومع ذلك، لم يُقدّم نصّ التحالف الدولي أي إرشادات حول سبل إيجاد حل لهذه الخلافات.
النص متحيِّز. تضمنت أمثلة التحالف الدولي في ما اُدعي أنه تعريف إجرائي موضوعي لمعاداة السامية فرضيات متحيِّزة أيديولوجياً وسياسياً. إذ من الجائز، استناداً إلى دراسات بحثية معتَبرة، الدفاع عن الاعتقاد بأن إسرائيل أو
النص يهدد حقوق الإنسان. إذا قرأنا نص التحالف الدولي حرفياً، ومع أخذ كل التحفظات التي يتضمنها في الاعتبار، سنجد أنه يفتقر إلى المعنى. أمّا إذا أُغفلت تلك التحفظات، فيمكن بسهولة تفسير أمثلة التحالف على أنها تشمل انتقادات مشروعة ودقيقة موجهة لإسرائيل. وفي كلتا الحالتين، كان النص غير صالح لاستخدامه كمرجعية لضبط الخطاب أو تنظيمه. كما أن افتقاره التام للوضوح يشجع الناس على الرقابة الذاتية، لأنهم لن يكونوا متأكدين ما هي التصريحات التي ستُفسر على أنها مُخالفة له، في حين أن أمثلته قد تُستخدم لوصم أو قمع تعابير ذات مشروعية عن الرأي. في الولايات المتحدة، قد يؤدي إيراد أمثلة التحالف الدولي في لوائح الشركات أو الجامعات إلى ردع الموظفين أو الطلاب عن التعبير عن آرائهم بشأن السياسة الخارجية الأمريكية خوفاً من أن يُلحق ذلك ضرراً بسمعتهم ويقضي على مسيرتهم المهنية. وإلى جانب تعريض الحق في حرية التعبير للخطر بشكل عام، نزع النص الشرعية أيضاً عن الخطاب الذي ينتقد إسرائيل بشكل خاص. وقد ينذر هذا الأمر بتجريد أولئك المستهدفين بسياسات إسرائيل من الحماية التي توفرها التغطية الإعلامية الدولية، وهو ما يزيد من خطر تعرضهم لانتهاكات حقوق الإنسان.
رداً على هذه المخاوف، أكد مؤيدو نص التحالف الدولي أنه "غير مُلزم قانوناً" وسلطوا الضوء على ما ورد فيه من أن "انتقاداً لإسرائيل، مماثلاً لنقد موجه لأي دولة أُخرى، لا يمكن اعتباره معاداة للسامية." لكن أياً من هذه الضمانات المزعومة لم يُطمئن المنتقدين. فمن جهة، حظي تعريف التحالف الدولي بمفعول قانوني في بعض الأنظمة القضائية (على سبيل المثال، في عدة ولايات أمريكية)، ونُظمت حملات للمطالبة بتقنينه في أماكن أُخرى. ومن جهة أُخرى، حتى لو لم تكن أمثلة التحالف الدولي مُلزمة بحد ذاتها، فإنها ما زالت قادرة على أن تملي على القضاة كيف يطبقون قوانين خطاب الكراهية. علاوة على ذلك، إذا استُخدمت أمثلة التحالف الدولي من قِبل مسؤولي الجامعات والمنصات الإعلامية والأحزاب السياسية وغيرهم لتنظيم الخطاب في تلك المجالات، فقد يؤدي ذلك إلى خنق حرية التعبير في المجتمع المدني حتى إن لم تكن تلك الأمثلة مُلزمة قانوناً. في الوقت نفسه، وعلى اعتبار أن تحديد ما يُعد "ازدواجية في المعايير" تجاه إسرائيل مسألة ذاتية، لم يقدم النص شرحاً واضحاً لما يمكن وصفه بأنه نقد "مشابه لذلك الموجَّه إلى أي دولة أُخرى." وهذا الاستثناء المزعوم في النص لم يؤدِ إلى ضبط أو موازنة، بل كرر، بشكل إيجابي ظاهرياً، العيوب نفسها التي شابت الأمثلة المطروحة.
لمحة تاريخية
إن التعريف العملي لمعاداة السامية الصادر عن التحالف الدولي هو نتاج حملة سياسية مُنسقة شنتها جماعات مؤيدة لإسرائيل، وعملت مع حكومات داعمة لها، لنزع الشرعية عن شريحة واسعة من الانتقادات الدولية الموجهة لإسرائيل، واعتبارها معادية للسامية.
معاداة السامية الجديدة
في سبعينيات القرن الماضي، علت الانتقادات الموجهة لسياسات إسرائيل بسبب احتلالها العسكري وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وتعنتها الدبلوماسي. وزعم المتحدثون الرسميون الإسرائيليون ومؤيدو إسرائيل بأن قسماً كبيراً من هذه الانتقادات الدولية المتزايدة، أو معظمها، كان ظاهرة معادية لليهود – وهو ما سموه "معاداة جديدة للسامية". وجادلوا بأنه في حين استهدفت معاداة السامية التقليدية أفراداً يهوداً أو مجتمعات يهودية، فإن معاداة السامية الجديدة تتجلى بوضوح في العداء لإسرائيل أو التمييز ضد الدولة اليهودية. كما أكدوا على إمكان التمييز بوضوح بين النقد المشروع لإسرائيل والنقد المعادي للسامية لإسرائيل.
أين يجب رسم هذا الحد؟ كان مُروّجو "معاداة السامية الجديدة" مُتّسقين بشكلٍ ملحوظ في ردودهم، والتي استخلص جوهرها في شباط/ فبراير 2004 وزير القدس وشؤون الشتات الإسرائيلي آنذاك، ناتان شارانسكي . حدَّد شارانسكي ثلاثة مفاهيم تُستخدم في "معاداة السامية الجديدة"، وهي: "شيطنة" إسرائيل، و"نزع شرعيتها"، وتطبيق "معايير مزدوجة" تجاهها. والشيطنة تتمثل في المبالغة المفرطة في الانتقاد "إلى حد يتجاوز كل منطق أو تناسب"؛ ونزع الشرعية يقصد به إنكار "الحق الأساسي لإسرائيل في الوجود"؛ أمّا الازدواجية في المعايير فتعني "استهدافها تحديداً" دون غيرها بانتقادات "انتقائية" أو تنطوي على نفاق.
تعريف مركز رصد العنصرية وكراهية الأجانب التابع للاتحاد الأوروبي، 2004 – 2013
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تضافرت عوامل انهيار عملية أوسلو
للسلام واندلاع الانتفاضة الثانية
والتغطية الإعلامية للقمع الإسرائيلي الشرس، لتقويض مكانة إسرائيل لدى الرأي العام الغربي. وشهد المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية سنة 2001
الذي عُقد في
في هذا السياق، قادت
في سنة 2005، نشر
تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، أيار/ مايو 2016
بين سنتي 2014 و2016، عمل
كما ترأس
تضليل
لم تُعِر إسرائيل ومؤيدوها مطلقاً أي أهمية تذكر للتعريف العملي لمعاداة السامية، والمكون من جملتين غامضتين. بل ما أولوه قيمة حقيقية هو قائمة الأمثلة المرفقة والتي يُمكن استخدامها لنزع الشرعية عن الانتقادات الموجهة لإسرائيل. غير أن بعض وفود التحالف الدولي سعى إلى التمييز بين التعريف والأمثلة، فدفع بالتعريف إلى الأمام استرضاءً للقوى المؤيدة لإسرائيل، مع محاولة الحؤول دون أن تستخدم إسرائيل ومؤيدوها الأمثلة لتقويض حرية التعبير. لكن ابتداءً من سنة 2018، شرعت جماعات الضغط الإسرائيلية بعملية تضليل عبر تصوير الأمثلة كما لو كانت جزءاً من التعريف العملي لمعاداة السامية الذي اعتمدته الهيئة العامة للتحالف الدولي في أيار 2016. وتواطأ المكتب الدائم للتحالف، ومقره
الاعتماد والتنفيذ
بحلول آذار/ مارس 2025، كان التعريف العملي لمعاداة السامية للتحالف الدولي قد حظي بتأييد أربع وأربعين دولة أعضاء في الأمم المتحدة وأكثر من نصف الولايات الأمريكية؛ كما شكل أساساً لإستراتيجية الاتحاد الأوروبي لمعاداة السامية. وكان الوضع القانوني أو السياسي لهذه "التأييدات" غير واضح في كثير من الأحيان، ولم يكن معروفاً عدد الدول التي اعتمدت أمثلة التحالف أيضاً. من ناحية أُخرى، رفض كل من
جادل مثقفون فلسطينيون وعرب في بيان مشترك صدر سنة 2020 بأنه من خلال الخلط بين "اليهودية والصهيونية"، تنشئ أمثلة التحالف الدولي تعارضاً زائفاً بين الحقوق اليهودية والفلسطينية، مما يُقوّض كليهما. ومن بين العديد من المشكلات المتعلقة بالتعريف، أكدوا أن اعتماده جعل من الصعب حرية مناقشة الرؤى البديلة لدولة إسرائيل (مثل إعادة تشكيل كيان سياسي ثنائي القومية) أو حق العودة المعترف به دولياً للاجئين الفلسطينيين.
وصاغ بعض منتقدي التعريف تعريفات بديلة حاولت التخفيف من عيوب أمثلة التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، وتمثل ذلك خصوصاً في
عملياً، وثقت مجموعات حقوقية حالات متعددة استُخدمت فيها أمثلة التحالف الدولي – التي قُدمت زوراً على أنها التعريف الذي أقره التحالف - لفرض عقوبات على أفراد أو جماعات بسبب خطاب سياسي مشروع. في
أدى تزايد الاهتمام السياسي بمزاعم معاداة السامية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إضافة إلى المبادرات اليمينية المتصاعدة في بريطانيا والولايات المتحدة لتأديب الجامعات أو سحب تمويلها، إلى خلق ظروف مواتية لكي تنتشر الرقابة المبنية على التعريف الذي قدمه التحالف الدولي. وأفادت
وعلى نطاق أوسع، أدى رفض إسرائيل الرسمي لفكرة التقسيم في فلسطين، إلى جانب الإبادة الجماعية المحتملة التي تمارسها في غزة
منذ تشرين الأول 2023، إلى استقطاب الرأي العام الغربي وتقويض شرعية إسرائيل الأساسية على الساحة الدولية. ومع حرص إدارة
"رد مجموعة من المثقفين العرب على تعريف معاداة السامية لـ ’التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست’" (30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020).
Finkelstein, Norman G. Beyond Chutzpah: On the Misuse of Anti-Semitism and the Abuse of History, updated edition. Oakland: University of California Press, 2008.
Friedman, Lara. “Defining Criticism of Israel as Antisemitism — Dataset.” Foundation for Middle East Peace, regularly updated. https://lawfare.fmep.org
Friedman, Lara. “The How-To of Shutting Down Pro-Palestinian Speech and Protest in the US.” In Zaha Hassan and H. A. Hellyer, eds., Suppressing Dissent: Shrinking Civic Space, Transnational Repression and Palestine-Israel. London: Oneworld, 2024.
Lerman, Antony. Whatever Happened to Antisemitism? Redefinition and the Myth of the “Collective Jew.” London: Pluto Press, 2022.
Stern-Weiner, Jamie. The Politics of a Definition: How the IHRA Working Definition of Antisemitism Is Being Misrepresented. Free Speech on Israel, 2021. https://freespeechonisrael.org.uk/wp-content/uploads/2021/04/
محتوى ذو صلة
إضاءة على –
القانون الأساسي الإسرائيلي بشأن كرامة الإنسان وحريته، 1992
هوية يهودية على حساب المساواة في المواطنة