الولايات المتحدة وقضية فلسطين قبل سنة 1944
Fourth of July pageant at the American Colony, Jerusalem, showing women wearing red, white, and blue costumes carrying flags and a man and woman dressed as Uncle Sam and the Statue of Liberty.
في أواخر العقد الثاني وأوائل العقد الثالث من القرن العشرين، حاز إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين دعماً أمريكياً واسعاً شمل السلطة التنفيذية و
1776 - 1819: فكرة إعادة تسكين وتمركز اليهود والروح الاستعمارية
خلال سنوات الاستقلال الأمريكي، هيمنت البروتستانتية على التركيبة الدينية للمجتمع الأمريكي، بينما كان الكاثوليك يشكلون أقلية صغيرة. وقد توزع البروتستانتيون الأمريكيون على نحو اثنتي عشرة طائفة (مثال المجمعيين المنحدرين من البيوريتانيين والمشيخيين والأسقفيين والأنجليكان). وبالنسبة إلى معظم أفراد هذه الطوائف، احتل العهدان القديم والجديد مكانة جوهرية في نظام معتقداتهم وحياتهم الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، سُميت عشرات البلدات بأسماء توراتية مثل الناصرة (Nazareth) وصهيون (Zion) والخليل (Hebron) ولبنان (Lebanon) وبيت لحم (Bethlehem) قبل الثورة، واستمر عددها في الازدياد إلى عدة مئات بعد الاستقلال مع توسع الاتحاد غرباً. كان الخطاب الألفيّ، وهو الاعتقاد بأن المسيح سيعود ليقيم حكماً مدته ألف عام، قد تغلغل في المجتمع الأمريكي الاستيطانيّ، إلى جانب تساؤلات عن مكانة اليهود في الألفية وخلاصهم وإعادة تسكينهم وتمركزهم في الأراضي المقدسة (Restoration). ثم أجج إنجاز الاستقلال الأمريكي النقاش: هل تكون الأمة الأمريكية الجديدة التي حققت هذا الإنجاز هي نفسها صهيون الجديدة، أرض الميعاد، بديلاً من "إسرائيل التوراتية"؟ أو، بعد أن وصلت هذه الأمة إلى مثل هذه المكانة المستقلة والمزدهرة التي "باركها الله"، ألا ينبغي لها أن تساهم في إعادة تسكين اليهود كواجب، بدلاً من انتظار المشيئة الربانية لتحقيقها، كما جاء الوعد في الكتاب المقدس. وهل يجب أن يكون العمل على إعادة تسكينهم وتمركزهم قبل اعتناقهم الإيمان المسيحي أو بعده؟
كان لدى لاهوتيي الألفية إجابات متنوعة أو متباينة عن هذه التساؤلات. لكن بعيداً عن اختلافاتهم، وخصوصاً بشأن توقيت اهتداء اليهود إلى الإيمان المسيحي، أصبحت فكرة إعادة التسكين والتمركز (Restorationism) مألوفة إلى حد ما في الأوساط العامة. وقد تم التعبير عنها في سنة 1783 خلال عظة عيد الشكر بمناسبة النصر، من
1890-1819: المبشرون الأمريكيون
أطلقت الروح الكولونيالية الأمريكية، التي اقترنت بعلم الأخرويات الألفي، والتي سهّلها لاحقاً إدخال التلغراف والبواخر والسكك الحديدية، عملية تحول في مفهوم القدس
من "أورشليم السماوية" إلى "القدس الأرضية". وهكذا، في سنة 1819، أبحر مبشرون تحت رعاية مجلس المفوضين الأمريكيين للإرساليات الأجنبية إلى فلسطين وغيرها من المقاطعات العثمانية بهدف تشجيع المسلمين في الإمبراطورية، وكذلك المسيحيين، وخصوصاً اليهود في فلسطين، على اعتناق المسيحية البروتستانتية. لكن سرعان ما ثبت أن مساعيهم لتحويل اليهود أو المسلمين في فلسطين إلى المسيحية البروتستانتية لم تكن واقعية على الإطلاق، فحوّلوا جهودهم نحو مسيحيي
فدور واشنطن كان محدوداً جداً في صنع السياسات والتدخل الإستراتيجي في الشؤون العثمانية، مقارنة بدور بريطانيا العظمى و
1913-1891: وطن لليهود في فلسطين، لكن من دون دعم اليهود الأمريكيين
في نهاية القرن التاسع عشر، ازداد الاهتمام الديني والتاريخي بفلسطين بصفتها أرضاً مقدسة، سواء في الولايات المتحدة نفسها أو في فلسطين، وترافق ذلك مع تزايد الاهتمام بالإحياء اليهودي في فلسطين. وبرزت أول محاولة جادة لتجسيد هذا الاهتمام على الصعيد السياسي في أوائل تسعينيات القرن التاسع عشر مع
لكن إلى أين سيذهب 2.000.000 من هؤلاء الفقراء؟ إن أوروبا مزدحمة ولا تتسع لمزيد من الفلاحين. هل سيأتون إلى أمريكا؟ سيكون ذلك مكلفاً جداً، وسيتطلب سنوات.
لماذا لا نعيد إليهم فلسطين مرة أُخرى؟ فوفقاً لتوزيع الله للأمم، إنها وطنهم، وهي ملك غير قابل للتصرف، وقد طُردوا منها بالقوة.
حثت المذكرة الرئيس هاريسون على عقد مؤتمر دولي لهذا الغرض بمشاركة روسيا والإمبراطورية العثمانية
و15 دولة أوروبية. ولاحقاً، اعتُبر مقترح بلاكستون بشأن فلسطين بمثابة صيغة مبكرة للبرنامج الصهيوني كما شرحه
ففي العقد الأول من القرن التاسع عشر، كان عدد اليهود في الولايات المتحدة لا يتجاوز 3000 نسمة. وفي سنة 1880، بلغ عددهم 230.000 ويرجع ذلك أساساً إلى الهجرة الألمانية. أمّا في سنة 1914، فقد وصل عددهم إلى 2.930.000، وذلك بسبب الهجرة من أوروبا الشرقية . فبين سنتي 1881 و1914، هاجر نحو 2 مليون يهودي إلى الولايات المتحدة. في المقابل، اختار نحو 65.000 فقط الهجرة إلى فلسطين بين سنتي 1882 و1914، وقد غادر أكثر من نصفهم إلى الولايات المتحدة بين سنتي 1905 و1909.
عبّر الاستقبال الإيجابي، في أوساط النخبة الأمريكية، لمذكرة بلاكستون، أكثر من أي وقت مضى، عن رؤية استعمارية لفلسطين وفي الوقت نفسه عن اهتمام بتقييد الهجرة اليهودية إلى الولايات المتحدة، وذلك تحت ستار الحرص السخي على ضمان حق يهود العالم في الاستيطان في الأرض المقدسة. من الجدير مقارنة هذا الاستقبال الإيجابي بالموقف الذي تبناه معظم اليهود الأمريكيين، وخصوصاً اليهود الإصلاحيين من أصل ألماني، الذين عارضوا مقترح بلاكستون لكونه لا يتوافق مع رغبتهم في الاندماج في المجتمع الأمريكي (ظهرت الحركة اليهودية الإصلاحية في
1924-1914: الولايات المتحدة وتصريح بلفور والنفط
دشنت مجريات الحرب العالمية الأولى ونتائجها حقبة جديدة لفلسطين و
انخرطت واشنطن في الحرب ضد ألمانيا (لكن ليس ضد العثمانيين) في 6 نيسان/ أبريل 1917. وبعد شهر واحد، وفي إثر جهود حثيثة بذلها برانديز، أعرب له ويلسون بصورة شخصية عن دعمه "لوطن مضمون علناً ومؤمَّن قانونياً للشعب اليهودي." ثم بعد إلحاح بريطاني، وافق سراً في 6 تشرين الأول/ أكتوبر على مسودة
وكان ويلسون قد ألقى خطاباً رئيسياً أمام الكونغرس في 8 كانون الثاني/ يناير 1918، عرض فيه
شارك ويلسون في
في 24 تموز/ يوليو 1922، ثبّت مجلس عصبة الأمم
توزيع الانتدابات في المشرق وفقاً لما تم الاتفاق عليه في
وهنا لا بد من المقارنة بين التبني السلس من جانب الكونغرس والرئيس (وبدرجة أقل من جانب وزارة الخارجية) لمشروع الوطن القومي اليهودي كما تم تأكيده في تصريح بلفور، وبين العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن استغلال موارد النفط ضمن أراضي المشرق التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. ففي ربيع سنة 1914، كانت شركة
في 3 كانون الأول/ ديسمبر 1924، وقّعت الولايات المتحدة وبريطانيا اتفاقية وافقت فيها واشنطن رسمياً على أن تتولى بريطانيا إدارة فلسطين. (في 4 نيسان/ أبريل، كان قد تم توقيع اتفاقية فرنسية-أمريكية موازية بشأن سوريا ولبنان). وقد استنسخت ديباجة الاتفاقية، حرفياً، المواد الثماني والعشرين من صك الانتداب كما حددتها عصبة الأمم في 24 تموز/ يوليو 1922. بدورها سلّمت لندن، "على الرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة ليست عضواً في عصبة الأمم"، بأن تتمتع الولايات المتحدة ومواطنوها في فلسطين بجميع الحقوق والمزايا التي يمنحها الانتداب للدول التي تنتمي إلى العصبة ولمواطنيها، بما في ذلك حقوق الملكية الأمريكية المكتسبة في فلسطين، والحفاظ على المؤسسات التعليمية والخيرية والدينية القائمة، وإنشاء مؤسسات جديدة. أمّا بالنسبة إلى النفط، فقد تبين أن الأراضي العراقية واعدة أكثر بكثير من فلسطين، وفي سنة 1928، حازت الشركات الأمريكية على حصتها في ملكية شركة النفط التركية (التي أصبح اسمها شركة نفط العراق IPC).
1944-1924: الكوتا والمثلث الأمريكي الألماني الفلسطيني
خلال الأعوام العشرين التي تلت الاتفاقية الأمريكية البريطانية لسنة 1924، تمثلت سياسة واشنطن في فلسطين أساساً في حماية المواطنين الأمريكيين ومشاريعهم التعليمية والتبشيرية أو مشاريعهم التجارية. وظلت واشنطن متعاطفة مع مشروع الوطن القومي اليهودي، لكنها، بما يتوافق على ما يبدو مع نظرتها الانعزالية، لم تتدخل في كيفية تعامل البريطانيين مع المشكلات الناجمة عن تنفيذ المشروع: الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والاستحواذ على الأراضي، والمعارضة الفلسطينية المتزايدة للصهيونية، والصدامات العربية اليهودية، والبحث عن أرضية مشتركة بشأن فلسطين بين لندن وعمّان
والقاهرة
والرياض
. غير أنه، كان لاعتماد سياسة هجرة متشددة شاملة في الولايات المتحدة، كما تجلت في قانون سُنّ في سنة 1924 (المعروف باسم
ففي ألمانيا، أدى صعود
في فلسطين، شكلت زيادة الهجرة اليهودية من ألمانيا (ومن
وإزاء هذه التطورات في فلسطين وحولها، والسلوك الألماني العدواني في أوروبا، والأثر التراكمي للتدابير الألمانية المعادية لليهود، استجمعت الحركة الصهيونية الأمريكية قواها في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وحصلت على تأييد الرأي العام والكونغرس لدور أمريكي فاعل في فلسطين، وحققت هذه المرة وقوف معظم الجالية اليهودية إلى جانبها. اتهم الصهيونيون الأمريكيون كتاب ماكدونالد الأبيض بانتهاك بنود
في سياق الحرب، تحول مركز ميزان القوى الصهيوني الداخلي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة. ففي أيار/ مايو 1942، اجتمع القادة الصهيونيون من الولايات المتحدة وفلسطين (بمن فيهم ديفيد بن غوريون
) في فندق بيلتمور في
وستتمثل المبادرة الأمريكية الأولى، في هذا الصدد، في الضغط على لندن لقبول هجرة 100.000 يهودي أوروبي إلى فلسطين فوراً، في حين أنه لم يحدث في أي وقت من الأوقات من سنة 1933 إلى سنة 1945 وما تلاها، أن تبنت الإدارة الأمريكية، أو الكونغرس، أو الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة، سياسة بوابة مفتوحة كهذه.
Alroey, Gur. An Unpromising Land: Jewish Migration to Palestine in the Early Twentieth Century. Stanford: Stanford University Press, 2014.
American Jewish Committee. American Jewish Yearbook, 1914–1915. Philadelphia: The Jewish Publication Society of America, 1914.
American Jewish Committee. American Jewish Yearbook, 1919–1920. Philadelphia: The Jewish Publication Society of America, 1919.
DeNovo, John A. American Interests and Policies in the Middle East, 1900–1939. Minneapolis: University of Minnesota Press, 1963.
Goldman, Samuel. God’s Country: Christian Zionism in America. Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 2018.
Joseph, Samuel. Jewish Immigration to the United States from 1881 to 1910. New York: Columbia University Press, 1914.
Kark, Ruth. American Consuls in the Holy Land, 1832–1914. Jerusalem: The Magnes Press, 1994.
Lebow, Richard Ned. “Woodrow Wilson and the Balfour Declaration.” The Journal of Modern History 40, no. 4 (December 1968): 501–23.
Moorhead, Jonathan. “The Father of Zionism: William E. Blackstone?” Journal of the Evangelical Theological Society 53, no.4 (December 2010): 787–800.
Richmann, Christopher. “America as New Jerusalem.” Word & World 40, no. 2 (Spring 2020): 150–61.
Russel Mead, Walter. The Arc of a Covenant: The United States, Israel, and the Fate of the Jewish People. New York: Alfred A. Knopf, 2022.
Zeuge-Buberl, Uta. The Mission of the American Board in Syria: Implications of a Transcultural Dialogue. Stuttgart: Franz Steiner Verlag, 2017.