تصريح هاري ترومان
بعد تأجيل مؤتمر الطاولة المستديرة حول فلسطين في لندن
واشنطن، 4 تشرين الأول/ اكتوبر 1946
لقد عرفت بمزيد الاسف بأن اجتماعات مؤتمر فلسطين المنعقد في لندن ، قد أجلت وبأنها لن تستأنف حتى السادس عشر من ديسمبر 1946. وعلى ضوء هذا الوضع فإن من المناسب فحص سجل جهود الادارة في هذا الموضوع، هذه الجهود التي دعمها - داخل الكونجرس وخارجه - أعضاء كلا الحزبين السياسيين وأن أدلى بآرائي عن الموقف كما هو قائم الآن .
ومما يدعو إلى التذكر ، أنه عندما قدم ايرل هاريسون تقريره في 29 سبتمبر 1945 [التقرير مؤرخ في 24 آب/ أغسطس، وصدر رسمياً في 29 أيلول/ سبتمبر] بشأن حالة الاشخاص المشردين في أوروبا ، طلبت حالا اتخاذ الخطوات لتخفيف حالة هؤلاء الاشخاص الى حد أقصاه، قبول 100,000 يهودي للدخول الى فلسطين.
وتلبية لهذا الاقتراح ، دعت الحكومة البريطانية حكومة الولايات المتحدة التعاون في تكوين لجنة تحقيق انجلو - امريكية مشتركة ، تلك الدعوة التي كانت هذه الحكومة سعيدة في قبولها ، آملة أن مشاركتها من شأنه أن يساعد على تخفيف وضع اليهود المشردين في أوروبا ، وأن يساعد على ايجاد حل لمشكلة فلسطين الصعبة والمعقدة في حد ذاتها.
وان السرعة التي نظرت بها الحكومة الى القضية نفسها، نراها منعكسة فعلا في مهلة المئة وعشرين يوما التي حددت لإتمام مهمة اللجنة .
ان تقرير لجنة التحقيق الانجلو - امريكية وضع بالإجماع في العشرين من ابريل سنة 1946.
ومن دواعي سروري أن أشير إلى أنه من بين التوصيات المتضمنة في التقرير، كانت احداها اقرار لاقتراحي السابق ألا وهو قبول 100,000 يهودي للدخول الى فلسطين. والادارة اهتمت حالا باستنباط الطرق والوسائل لنقل 100,000 مشرد والاعتناء بهم عند وصولهم، وعلى هذا الأساس أرسل الخبراء إلى لندن في يونيو 1946، لإجراء تدابير السفر الفعلي بصورة مؤقتة.
وقد ساهمت الحكومة البريطانية مع هذه الجماعة، لكنها أوضحت بأن التقرير في نظرها، يجب أن يعتبر ككل وأن موضوع المئة الف مشرد لا يمكن اعتباره أمرا منفصلا .
وفى 11 يوليو ، أعلنت تكوين لجنة وزارية بشأن فلسطين والمشاكل الخاصة بها، مكونة من وزيري الحربية والمالية ليساعداني في النظر في توصيات لجنة التحقيق الانجلو - أمريكية. ان المندوبين الخبراء في هذه اللجنة الوزارية غادروا برئاسة السفير هاري ف. غرادى الى لندن في 10 يوليو 1946 ، للتباحث مع ممثلي الحكومة البريطانية في الطريقة التي بها ينفذ التقرير على أحسن وجه ..
وقد قدم هؤلاء المندوبون الخبراء في 24 يوليو 1946، تقريرا يشار اليه عادة بمشروع موريسون الذي يطالب بمشروع استقلال اقليمي بإمكانه أن يؤدي أخيرا الى دولة ثنائية القومية او الى تقسيم.
لكن المعارضة لهذا المشروع ظهرت بين أعضاء الاحزاب السياسية الرئيسية في الولايات المتحدة وذلك في كل من الكونجرس وانحاء البلاد .
ووفاقا للمبدأ الذي حاولت أن أتبعه باستمرار، وهو أن أحصل على درجة قصوى من الوحدة في داخل البلاد وبين الاحزاب بشأن العناصر الاساسية في السياسة الأمريكية الخارجية، لم يكن في وسعى أن أمنح تأييدي لهذا المشروع.
ومع ذلك فقد أعرت هذه القضية جل اهتمامي وأبنت مرارا كما الححت على اتخاذ خطوات في أقرب لحظة ممكنة لقبول 100,000 لاجئ يهودي إلى فلسطين.
وفي تلك الأثناء، كانت هذه الحكومة قد أبلغت عن جهود الحكومة البريطانية لدعوة ممثلي العرب واليهود الى لندن، بقصد الوصول الى ايجاد حل لهذه القضية المؤلمة. وقد عقدت الأمل في امكان الوصول الى حل عادل كنتيجة لهذه المحادثات. وفي حين أن جميع الفرقاء المدعوين لم يجدوا أنفسهم قادرين على الحضور، فقد خالجني الأمل بأن هنالك لا تزال امكانية بأن ممثلي الوكالة اليهودية قد يشتركون. واذا كان الأمر كذلك ، فان الأمل في ايجاد حل انشائي متفق عليه، يكون قد ازداد.
والحكومة البريطانية قدمت للمؤتمر ما يدعى بـ مشروع موريسون لأجل الاستقلال الاقليمي، وصرحت بأن المؤتمر يتقبل مقترحات أخرى، وفي هذه الاثناء اقترحت الوكالة اليهودية حلا للقصة الفلسطينية عن طريق انشاء دولة يهودية قابلة للحياة، تتولى هي الاشراف على هجرتها وسياستها الاقتصادية في منطقة كافية في فلسطين بدلا من أن تكون في جميع فلسطين، كما اقترحت أيضا إصدار الشهادات لمئة الف مهاجر يهودي حالا.
ولقد حظي هذا الاقتراح باهتمام واسع المدى في الولايات المتحدة، أي في الصحافة كما في المجتمعات العامة، ومن نتيجة المناقشات التي تلت هذا الاقتراح ، فاني أعتقد أن حلا على ضوء هذه الخطوط، سيحظى بمعاضدة الرأي العام في الولايات المتحدة. وإني لا اعتقد بأن الثغرة بين المقترحات التي قدمت هي عظيمة جدا لدرجة لا يمكن سدها على يد رجال يتمتعون بالحكمة والنية الحسنة، وأن حكومتنا على استعداد لتقديم معاضدتها لحل من هذا القبيل.
وعلى ضوء الوضع الذى تطور الآن ، أود أن أصرح بآرائي باختصار مهما أمكن:
1- وبالنظر لأن فصل الشتاء سيحل قبل استئناف المؤتمر، فاني أعتقد والح على أن هجرة أساسية الى فلسطين لا يمكنها أن تنتظر ايجاد حل للقضية الفلسطينية، وانها يجب أن تبدأ حالا. وان التدابير بهذه الحركة قد تم اتخاذها من قبل هذه الحكومة التي هي على استعداد لمد يد المساعدة حالا .
2- وإني أكرر تصريحي - كما صرحت فى المناسبات السابقة - على أن قوانين الهجرة في البلاد الأخرى ومنها الولايات المتحدة يجب أن تتحرر بصورة تسمح بقبول أناس مشردين. وإني على استعداد للقيام بتوصية كهذه إلى الكونجرس والاستمرار في النشاط على قدر المستطاع للتعاون مع البلاد الأخرى على جميع مشكلة الاشخاص المشردين برمتها.
3- وما عدا ذلك ، فلو اقترح حل عملي لفلسطين، سأكون مستعدا لتوصية الكونجرس بمشروع للمساعدة الاقتصادية من أجل تقدم هذه البلاد.
وعلى ضوء التعذيب الفظيع الذي تحمله الشعب اليهودي في أوروبا مدة الحرب الاخيرة، والازمة القائمة الآن لا يمكن الاعتقاد بأن برنامجا للعمل المباشر وفقا للخطط المقترحة أعلاه، لا يمكن تنفيذه مع تعاون جميع الشعوب المختصة. والادارة ستستمر في عمل كل ما في استطاعتها لهذه الغابة.
المصدر: "الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين من أرشيف الأمانة العامة للجامعة العربية: المجموعة الأولى، 1915-1946". إعداد وتحرير: أمين عقل. تقديم: وليد الخالدي. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2016، ص 459-461.