المؤتمر الشعبي الفلسطيني
بيان
القاهرة، 6-10 نيسان/ أبريل 1972
إن المؤتمر الشعبي الفلسطيني المنعقد في الفترة ما بين السادس والعاشر من نيسان (أبريل) 1972 والذي يضم 400 عضو يمثلون مختلف طبقات الشعب الفلسطيني وفئاته الوطنية وجميع تنظيماته وقواه الشعبية وقواه الثورية المسلحة ليفخر بالتأييد لحقوق الشعب الفلسطيني ونضاله المسلح من أجل تحرير كامل تراب وطنه الذي عبرت عنه حركات التحرير الوطني في مختلف أنحاء العالم في البيانات التي ألقاها أمام المؤتمر وفي الرسائل والبرقيات التي وردت من قياداتها إليه.
كما أن المؤتمر ليعتز بالتضامن الوثيق الذي أبدته الأحزاب والمنظمات والقوى الوطنية والتقدمية التي شاركت في أعمال المؤتمر وأعلنت بالإجماع في بيان مشترك صدر عنها دعمها الكامل ودون تحفظ لنضال الشعب الفلسطيني من خلال ثورته الوطنية المسلحة من أجل تحرير كامل تراب فلسطين واستعادة حقوقه القومية المغتصبة، كما أكدت ان المقاومة الفلسطينية ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية هي وحدها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وأنه لا يحق لأي كان أن يقرر مصير فلسطين أو الشعب الفلسطيني في معزل عنها.
إن المؤتمر الشعبي الفلسطيني إذ يجدد الإعلام عن إيمانه وتمسكه الكامل بالميثاق الوطني الفلسطيني يؤكد بدوره أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في ظل التعبير عن أمانيه وعن تحديد إرادته وفي قيادة كفاحه المسلح ونضاله في جميع الساحات وأن أية مبادرة لتقرير مصير فلسطين وطناً أو شعباً أو قضية في معزل عنها إنما هو تطاول واعتداء على حقوق الشعب فلسطيني وأن أي إجراء أو ترتيب أو اتفاق في هذا الصدد يصدر عن أية جهة أخرى إنما هو خال من الشرعية.
ثم أن المؤتمر الشعبي الفلسطيني ليرحب بالقرار الذي أعلنه ممثلو الأحزاب والمنظمات والقوى الوطنية والتقدمية العربية لعقد مؤتمر يضمها جميعاً من أجل توحيد النضال ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية، قد قرر الموافقة على تلك الدعوة وتبنيها واعتبار منظمة التحرير طرفاً أساسياً فيها كما قرر أيضاً تشكيل لجنة اتصال من منظمة التحرير الفلسطينية، تتولى البحث مع ممثلي كل تلك الأحزاب والمنظمات والقوى في تنفيذ تلك الدعوة على أساس تأليف لجنة تحضيرية تهيىء لعقد مؤتمر يكون أساساً لبناء الجهة التقدمية على الصعيد العربي، إن هذا كله ليؤكد حقيقتين مترابطتين هما في الواقع وجهات لحقيقة واحدة أولهما أن الحركة الوطنية والتقدمية العربية تعتبر الكفاح الفلسطيني جزءاً لا يتجزأ منها، حمايته حمايتها وأمنه من أمنها وتحقيقه من تصميم تحقيقها، والثانية أن الكفاح الفلسطيني المسلح إنما هو محرك وهو نقطة التقاء للحركات التحررية والتقدمية في شتى أرجاء الوطن العربي يجمعها معاً على أرض مشتركة تؤكد وحدة نضالها جميعاً وكذلك فإن المؤتمر الشعبي الفلسطيني قد حقق خطوة حازمة على طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية وبالنظر إلى ما لمسه المؤتمر من توجه جدي ومخلص لتحقيق تلك الوحدة لدى جميع المشاركين في أعماله وما تلقاه من تأكيدات جازمة من ممثلي المنظمات الفلسطينية المقاتلة على التزامها جميعاً لتحقيق خطوات جدية وفورية على طريق الوحدة الوطنية قد تم الاتفاق على توحيد جميع القوات المسلحة لجميع فصائل الثورة في مؤسسة عسكرية واحدة وتوحيد جميع مصادر الجباية وجميع مجالات الصرف توحيداً كاملاً ضمن الصندوق القومي الفلسطيني وتوحيد أجهزة الإعلام ووسائله في جهاز مركزي واحد ووسائل موحدة وتوحيد جميع أجهزة العلاقات الخارجية لمختلف المنظمات على أن يستمر تشكيل الهيئات القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية على أسس جبهوية. إن هذا القرار الحاسم الذي اقترن تنفيذه في وقت محدد وقصير بحيث تتحقق المراحل الأساسية من برنامجه خلال ثلاث أشهر كما اقترن أيضاً بتشكيل لجنة خاصة لمتابعة تنفيذه، إن هذا كله ليس وحسب تجاوباً مع مطلب جماهيري فلسطيني شامل وإنما هو أيضاً خير ضامن لتعزيز القدرة الفلسطينية الذاتية في الرد على جميع المشاريع التصفوية وللتصدي للسياسات الاستسلامية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها والتي كان أحدثها مشروع حسين لإقامة ما دعاه بالمملكة العربية المتحدة، لقد رفض الشعب الفلسطيني رفضاً قاطعاً جميع تلك المشاريع التصفوية والسياسات الاستسلامية وهو الآن يرفض أيضاً المشروع الهاشمي الجديد رفضاً ثورياً وجازماً وشاملاً ولقد شجبت ذلك المشروع أيضاً جميع الأحزاب والمنظمات والقوى الوطنية والتقدمية العربية وبعض الحكومات العربية.
واتخذت بعض هذه الحكومات خطوات أولية لفرض الحصار على النظام الهاشمي وإحباط المشروع المؤامرة. وإن المؤتمر الشعبي الفلسطيني يتطلع إلى إسراع الحكومات العربية الأخرى لإدانة ذلك المشروع وإلى اتخاذ الإجراءات المماثلة ابتداء بقطع جميع العلاقات مع النظام الهاشمي، إلاّ إن المؤتمر يؤكد أن الواجب يقضي بعد هذا إلى المضي بسرعة إلى وقف العلاقات الاقتصادية بشتى أنواعها وإغلاق الأجواء والموانىء وطرق المواصلات العربية في وجه وسائل الانتقال والنقل من الأردن وإليه وقطع المساعدات المالية عن النظام الهاشمي وتحويلها إلى منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية الأردنية ومنع الممثلين الرسميين للنظام الهاشمي من حق التمثيل وعدم اعتماد وثائقهم وطرد النظام الهاشمي من عضوية جامعة الدول العربية مع بقاء الشعب الأردن عضواً أصيلاً فيها تمثله الحركة الأردنية إلى أن يسقط النظام العميل المتآمر ويقوم بدلاً منه حكم وطني ديمقراطي ويستعيد الأردن بذلك وضعه الطبيعي في جامعة الدول العربية.إن الترابط الوثيق بين طرح مشروع حسين وبين إجراء الانتخابات البلدية في جزء من فلسطين المحتلة يتعدى الناحية الزمنية المتعلقة بالتوقيت ويكشف الصلة العضوية بين المخططات الهاشمية والصهيونية في إطار الاستراتيجية الاستعمارية.
وغني عن البيان أن تلك الانتخابات مثلها مثل أي إجراءات أخرى تتخذ تحت الاحتلال ليست لها أية صفة شرعية. ففي ظل الاحتلال لا شرعية سوى شرعية المقاومة وفضلاً عن ذلك فإن اضطرار سلطات الاحتلال إلى اللجوء إلى كافة وسائل الضغط والإرهاب في عملية شاملة لإجبار السكان على المشاركة في الانتخابات ليفقد تلك الانتخابات أية قيمة سياسية كان العدو الصهيوني يطمح إلى تحقيقها عن طريقها. وأن المؤتمر الشعبي الفلسطيني إذ يتوجه بالتحية إلى الجماهير التي وعت حقيقة تلك الانتخابات فقاومتها وتظاهرت ضدها وامتنعت عن الاشتراك فيها يطالب الجماهير الفلسطينية بأن تستمر في مقاومة المراحل التالية منها فتقطع بذلك الطريق على العدو المحتل في محاولة لإعطاء الانتخابات أبعاداً سياسية.
إن المؤتمر الشعبي الفلسطيني يؤكد بأنه لا يحق لأي جهة أو جيل من أجيال الشعب مهما تآلبت عليه الظروف أن يتنازل عن أي حق من حقوقه الوطنية والطبيعة.
إن وحدة مصير الشعب الفلسطيني المرتبطة عضوياً بوحدة المصير العربي تتطلب التحاماً جماهيرياً أقوى وتفاعلاً أشد لمواجهة التحديات الاستعمارية والصهيونية والرجعية التي تواجه مسير حركة التحرر الوطني بشكل خاص وحركة التحرر العربي بشكل عام.
وأمام هذه التحديات في هذه المرحلة الراهنة لا بد من إقامة علاقة عضوية مع الحركة الوطنية الأردنية وتحديد طبيعة هذه العلاقة والعمل على ترسيخ دعامتها وتطويرها حتى يتسنى للشعب الأردني وللشعب الفلسطيني متابعة المسيرة النضالية لتحقيق الأهداف الوطنية. فالأردن هو الساحة الرئيسية والمنطلق الأساسي للثورة الفلسطينية وليس ذلك بسبب طول خط إطلاق النار وحسب وإنما أيضاً بسبب الروابط التاريخية والسكانية والعلاقات الحيوية المشتركة، وطنية كانت أو اقتصادية أو ثقافية أو حضارية، أو لطبيعة النضال المشترك ضد النظام العميل بقصد كونه خط الدفاع الأمامي ولأن ارتباطه العضوي معها يتطلب إقامة بنيام متراص بين الحركة الوطنية الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية يتلاحم فيه نضال الشعب الأردني والشعب الفلسطيني ويحدد العلاقة المصيرية بينها. إن المهمات الراهنة للجماهير الفلسطينية والأردنية في الضفتين تتحدد على أساس إعادة تصحيح وحدة الضفتين التي مزقها النظام العميل وتجسيدها ضمن نظام وطني:
المساواة الإقليمية الكاملة في الحقوق والواجبات لإقامة حكم وطني ديمقراطي يوفر قاعدة أمينة رئيسية للثورة وحق الشعب الفلسطيني في حمل السلاح والتعبئة والالتفاف حول الثورة لمتابعة نضاله لتحرير كامل تراب الوطن وحصول الجماهير الفلسطينية والأردنية على كامل حرياتها الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية وحق الجماهير الأردنية للانخراط في الكفاح المسلح للشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه المغتصبة. ويطالب المؤتمر الشعبي الفلسطيني كافة الدول العربية، وبوجه خاص الدول المتاخمة لفلسطين، لإزالة العراقيل والصعوبات أمام الثورة الفلسطينية واعتبار ارضها قاعدة انطلاق للثورة إلى قلب الوطن المحتل وقاعدة خلفية للكفاح المسلح فيه على اعتبار أن ذلك حق شرعي للثورة الفلسطينية فضلاً عن أنه جزء من الواجب المشترك لمواجهة العدو الواحد.
فإن استمرار الثورة الفلسطينية وتصاعدها ليس وحسب سبيلاً إلى تحرير فلسطين بل هو أيضاً عامل مساند في حماية الأراضي العربية الأخرى التي يستهدفها المخطط الإسرائيلي التوسعي. كما أن استمرار الثورة الفلسطينية وتضافرها مع القوى الوطنية يعزز القدرة الوطنية الذاتية على الوقوف في وجه الغزو الحضاري والاقتصادي والاجتماعي الذي ينطوي عليه الكيان اليهودي.
إن المؤتمر الشعبي الفلسطيني يدرك أن النضال الوطني الفلسطيني هو جزء من نضال الشعوب والقوى الثورية والوطنية في العالم ضد الإمبريالية العالمية.
وانطلاقاً من مواقف حركات التحرر العالمية والبلاد الاشتراكية والعربية المؤيدة لنضال شعبنا ولحقيقة تقرير مصيره، يؤكد على ضرورة تطوير وتعزيز علاقة حركة التحرر الوطني الفلسطيني بحركة التحرير العالمي وقوى التقدم الاشتراكي، ويدعوها إلى منح قضية شعبنا العادلة المزيد من تأييدها ودعمها، كما يدعوها إلى الوقوف بحزم إلى جانب شعبنا في مواجهة المخططات الاستعمارية والصهيونية والرجعية التي تستهدف إجهاض حركة شعبنا النضالية تصفية قضيته الوطنية. على الرغم من قيام سلطات العدو الإسرائيلي والنظام الهاشمي بمنع ممثلي الشعب الحقيقيين من حضور هذا المؤتمر، فإن هذا المؤتمر قد عبر عن الطموح الوطني والنضال لشعبنا في مختلف أماكن تواجده. ويختتم المؤتمر هذه المناسبة، فيوجه تحية إجلال إلى شهداء الثورة الفلسطينية، وتحية إكبار إلى المقاتلين والمناضلين الصامدين في سجون الدولة الصهيونية والنظام الأردني. ويحيي نضال حركات التحرر الوطني في العالم، وخصوصاً كفاح شعب فيتنام الذي يلقن في الهند الصينية أبلغ الدروس للإمبريالية الأميركية.
المصدر: الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1972. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1975، ص 214-216.