بيان مجلس جامعة الدول العربية
بشأن تقرير اللجنة الانجلو - الأمريكية
بلودان، 12 حزيران/ يونيو 1946
1- لقد اتضح بعد تعيين أعضاء اللجنة تحيز عدد منهم للجانب الصهيوني ، فان بعضهم كان من غلاة دعاة الصهيونية فعلا قبل تعيينهم في اللجنة.
2- لقد اتضح أن اللجنة جاءت (أو على الأقل بعض أعضائها ) لإقرار سياسة مرسومة سلفا مثل اقرارها هجرة مائة الف هذه السنة بدون زيادة أو نقصان وهو الرقم الذي كان قد اقترحه المستر ترومان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وقد ثبت هذا بصورة خاصة فى عدم وجود ارتباط منطقي بين اللجنة وحقائق ما أوصت به.
3- لقد اتضح أن اللجنة بسبب دراستها السريعة لم تنفذ إلى بعض النقاط الاساسية في الموقف الراهن في فلسطين ولم تعره الاهتمام الكافي، كما لم تعر نشوء القومية العربية وحقها في الحياة والازدهار الاهتمام الكافي ، كما أنها لم تعر الجامعة العربية وحقها في تنظيم العلاقات والمصالح الاقليمية العناية اللازمة والا فكيف توصى لفلسطين بهذه التوصيات وهي تعلم حق العلم أنها تتنافى ومصلحة كل دولة من دول الجامعة العربية.
4- لقد اتضح أن اللجنة لم تكن عملية في توصياتها بل انجرفت بتيارات عاطفية قبل أن تدرس المشاكل الاقتصادية والعسكرية والادارية التي تنجم عن توصياتها فقد بنت توصياتها على مشاريع اقتصادية تستند على أسس من التعاون بين العرب والصهيونيين لا يمكن أن تتحقق كما أنها أوصت بالهجرة قبل أن تحقق امكان تنفيذ ذلك أو أثره على حياة العرب وحقوقهم الطبيعية الشرعية.
5- لقد ثبت أن اللجنة تناقض نفسها بنفسها في مواضيع عدة ولا سيما في المبادئ والاسس والا فكيف تدعى اللجنة تمسكها بالمبادئ الديمقراطية الحديثة وبمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وهى في الوقت نفسه تريد فرض سياسة معينة بالقوة على شعب له حقه في أن يتمتع في هذا العصر الذي اندحرت فيه النازية والفاشية، في أن يعيش عيشة ديمقراطية وأن يقرر مصيره السياسي بذاته .
تعليقات على التوصيات
التوصية الأولى:
من دواعي الدهشة والاستغراب أن يأتي مطلع التوصية الأولى من أنه لا يجرى اسداء أي معونة جوهرية في بلد غير فلسطين لايجاد موطن لليهود الراغبين في مغادرة اوروبا بناء على ما وصلت اليه اللجنة من معلومات ، ذلك لأنه يوجد في مختلف بلدان العالم وخاصة الامبراطورية البريطانية وفى الولايات المتحدة مساحات شاسعة ووسائل وافرة لإيواء أي يهودي يرغب في ترك مقره الحاضر، فرفض هذه البلدان تيسير ايواء هؤلاء اليهود والقيام بما تسميه واجبا انسانيا وتظاهرها بالاهتمام به مع استطاعتها عمل ذلك، ليس معناه سوى تضحية فلسطين على مذبح الشهوة الصهيونية السياسية .
وهو مناقضة للحق والانصاف ولما تتظاهر به الدولتان من عطف على ضحايا النازية والفاشية.
التوصية الثانية:
ومن غريب تناقضات اللجنة أنها بينما تقترح منح 100 الف شهادة هجرة لليهود تعترف بصراحة أنه سيكون عبئا ثقيلا على فلسطين. وتعترف أن كثافة السكان فيها على نسبة عالية جدا حيث بلغت في الميل الواحد 336 باستثناء صحراء بئر السبع المجدبة، وحيث أثبت رأي الخبراء بأن هذه النسبة سترتفع بعد أربع عشرة سنة بدون عجرة يهودية الى نحو 450 للميل الواحد، واذا لوحظ أن القسم الاعظم من أراضي فلسطين جبلية وصحراوية وأنها فقيرة في صناعاتها ومواردها الابتدائية يبدو استحالة تحمل فلسطين لأي هجرة يهودية جديدة .
التوصية الثالثة:
ان توصية اللجنة بإصدار تصريح بأن لا تكون فلسطين دولة يهودية ولا عربية ولا يسود العرب اليهود ولا اليهود العرب فيها، وأن يعطل أي نظام دستوري يعطى الأغلبية المطلقة سلطة الحكم، وأن قولها إن فلسطين ليست ولا يمكن أن تكون في يوم ما أرضا يستطيع أي شعب أن يدعى بأنها ملك له مستنكر كل الاستنكار، لان فيه تسوية ظالمة في المركز والحق بين العرب الذين تعترف اللجنة أن حقهم في فلسطين مستند الى حق الاستقرار الممتد الى أكثر من الف سنة والذي ما يزال حقيقة واقعة وبين اليهود الذين كل ما يستندون اليه صلة تاريخية واهية انقطعت عمليا منذ الفى سنة، وكذلك فان هذه النواحي والأقوال متناقضة مع كل ما تعارف عليه البشر وقامت عليه حقوق الدول ودساتيرها، والتحيز فيها ضد العرب ظاهر ظهورا واضحا لأنه يرمى الى حرمان عرب فلسطين أصحاب البلاد الشرعيين من حق طبيعي لهم قد ناله اخوانهم في البلاد العربية الأخرى.
التوصية الرابعة:
أن توصى اللجنة باستمرار الحكم في فلسطين على ما هو عليه ريثما يتلاشى العداء بين العرب واليهود هو هدم للاسس التي قام عليها نظام الانتخاب فاليهود مسوقون بفكرة الحصول على أكثرية ودولة يهودية واستمرار الهجرة حسب توصية اللجنة لن يخفف من غلوائهم، والعرب مسوقون بفكرة الدفاع عن الذات والكيان لن يستسلموا لتحقيق خيال اليهود الباغي.
التوصية الخامسة:
ان مستوى العرب في فلسطين في مقدمة مستوى العرب في مصر وسوريا ولبنان معيشيا وثقافيا واقتصاديا وصناعيا وزراعيا، وفى كل من هذه البلاد طوائف يهودية لها مستوى عال من العيش ومع ذلك لم يقع احتكاك بينها وبين مواطنيها العرب بسبب الفروق في مستوى المعيشة وانما أساس الخلاف هو سوق جماعات يهودية مختلفة الثقافة والاصول في بلد عربي بقوة الحديد والنار. هذا إلى أن نظام الانتداب كان سببا رئيسيا لما يرى من ثغرات فى مستوى العرب بالنسبة لليهود الغربيين الطارئين، لان الدولة المنتدبة لا تخصص من ميزانية البلاد الا جزءا ضئيلا جدا لا يتجاوز 5 % للتعليم ومثله المصحة وأقل منه جدا للخدمات الاجتماعية بينما تنفق نحو 30 % من الميزانية للأمن العام وحده وتتفق مثل ذلك على جيش الموظفين الاجانب والتراجمة والتشكيلات الاخرى .
التوصية السادسة:
ان اللجنة في اقتراحها باستمرار واجب الادارة المنتدبة في تسهيل هجرة اليهود وفقا لقواعد الانتداب التي تنص على مراعاة حقوق باقي السكان وعدم الاضرار بهم قد تجاهلت أن هذا الشرط لا يمكن تحقيقه في حالة دوام الهجرة لأن أضراراً قد وقعت فعلا بتحول مركز العرب من نسبة 87 % سنة 1922 إلى نسبة 69 سنة 1944 على ما جاء في تقريرها فضلا عن تبدل النسبة بعد هذه السنة بالهجرة اليهودية المستمرة حيث صار من المحتمل أن تكون قد نزلت الى 65 % وقد تجاهلت أيضا أن الحكومة البريطانية حينما قررت وقف الهجرة اليهودية في كتابها الأبيض سنة 1939 انما كانت مسوقة بقناعة قطعية مستندة إلى دراسات عديدة بإن الهجرة اليهودية قد أضرت بمركز وحقوق العرب .
التوصية السابعة:
ان اللجنة في اقتراحها الغاء قانون الأراضي 1940 وتبديله بقوانين قائمة على الحرية في بيع وايجار واستثمار الأرض دون الالتفات الى الجنس والطائفة والعقيدة مع توصيتها بحماية صغار الفلاحين قد تجاهلت بأن ما قامت به الحكومة البريطانية من محاولات عديدة لحماية هذه الطبقة باءت كلها بالإخفاق ، وأنها حينما قررت وضع القيود التي وضعتها في سنة 1940 على عدم كفايتها كانت مسوقة بقناعة قطعية مستندة الى دراسات عديدة بأن الخطر قد أحدق بالعرب في حاضرهم على مستقبلهم من جراء استمرار اباحة انتقال الأراضي العربية إلى اليهود وأن من واجبها أن توقف الخطر عند الحد الذي وصلت اليه ،
ومن المؤسف أن تكون اللجنة في توصيتها هذه أيضا قد انحازت إلى اليهود ضد العرب حيث أجابت مطالب أولئك وأهملت مطالب هؤلاء .
التوصية الثامنة:
أشارت اللجنة الى مشاريع لرفع مستوى العرب واليهود، يستلزم نجاحها تعاون الدول العربية المجاورة ، متجاهلة أنه لا يمكن لأى حكومة عربية الى ترحب بالتعاون في أي مشروع قد يؤدى الى توسع يهودي، لان هذا مما يهدد كيان العرب وحقوقهم في بلادهم. ومما لا ريب فيه أن أية معاونة تطلب من الحكومات العربية في مشاريع اقتصادية وزراعية فلسطينية لا يمكن أن تلبي ما لم يضمن سلفا بقاء الصفة العربية لفلسطين .
التوصية التاسعة:
ان توصية اللجنة بتعديل نظام التعليم وادخال التعليم الإجباري في محلها غير أنه ما دام الانتداب وأسس السياسة الحالية قائمة في فلسطين فانه لا يرجى تخصيص مبالغ كافية للتعليم، ولما لا ريب فيه الى استقلال فلسطين ضرورة لا مناص منها من هذه الناحية كما هي كذلك من النواحي الأخرى.
التوصية العاشرة:
من المؤسف أن يذكر بمناسبة التوصية العاشرة أن الحكومة البريطانية بينما عاملت العرب حينما قاموا يدافعون عن كيانهم وحقوقهم المشروعة بمنتهى القسوة تقتيلا وشنقا وحبسا واعتقالا ومصادرة وغرامة ، قابلت ولا تزال تقابل اعتداءات اليهود التي لا يمكن المقارنة بينها وبين ما صدر من العرب من كل ناحية، فقد عاملت اليهود بكل هوادة وتساهل، الأمر الذى كان سببا في استمرار هذا العدوان و ازهاق كثير من أرواح الانكليز والعرب وتدمير ممتلكات الحكومة بينما نزعت ما بأيدي العرب من سلاح. ومع أن هؤلاء الآن لا يملكون أي تنظيمات عسكرية فإنه ثابت وجود جيوش يهودية منظمة مملوءة اليد بالأسلحة المتنوعة والوسائل الفنية وتقوم فعلا بأعمال عدوانية على نطاق واسع ولم تحاول الحكومة جديا تجريدها من السلاح ، وبينما أقدمت الحكومة البريطانية على حل اللجنة العربية العليا واعتقال أعضائها ونفيهم في الماضي ، ودون أن يثبت لهم أي صلة بالاضطرابات، لا تقدم الآن على أي عمل مماثل مع الوكالة اليهودية التي تتحدى الحكومة وترفض أن تتعاون معها على التهدئة والتي لا شك في تآمرها مع الارهابيين، فمحاولة اللجنة المساواة في ذلك بين العرب واليهود مغالطة ظاهرة.
المصدر: "الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين من أرشيف الأمانة العامة للجامعة العربية: المجموعة الأولى، 1915-1946". إعداد وتحرير: أمين عقل. تقديم: وليد الخالدي. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2016، ص 385-389.