بتسلئيل سموتريتش
خطة الحسم الإسرائيلية
7 أيلول/ سبتمبر 2017
موجز
ما يعنيه حسم الصراع هو اتخاذ قرار وعيوي عملياً وسياسياً - بأن ثمة مكاناً غربي نهر الأردن لحق تقرير مصير قومي واحد: الحق اليهودي. فأصلاً ليست هناك ولن تقوم - دولة عربية في قلب أرض إسرائيل تُجسد تحقيق المطامح القومية العربية فيها. لذلك فإنّ إلغاء هذا الحلم سيقلص من الدافعية لتحقيقه، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تقليص الإرهاب.
يمر السبيل إلى تحقيق هذا الحسم أيضاً عبر التصريحات، وذلك عبر مقولة إسرائيلية حاسمة موجهة للعرب بأنه لن تقوم دولة فلسطينية هنا بأي شكل من الأشكال، وعبر الأفعال أيضاً: فرض السيادة الإسرائيلية التامة على أرجاء الوطن في يهودا والسامرة والحسم الاستيطاني الذي يعني إقامة مدن وبلدات جديدة في عمق المنطقة، وجلب مئات آلاف المستوطنين الجدد للسكن فيها. هكذا توضح للعرب وللعالم برمته أن الواقع الساري في يهودا والسامرة هو أمر دائم وثابت، وأن دولة إسرائيل لن تزول يوماً، وأن الحلم العربي بإقامة دولة في يهودا والسامرة قد انقضى بلا رجعة. وعليه، فإن الحسم الاستيطاني غايته أن يرسخ في أذهان العرب والعالم كله بأن لا مجال لإقامة دولة عربية في أرض إسرائيل.
في أعقاب هذه النقطة كنقطة انطلاق حاسمة وواضحة، يتبقى أمام عرب أرض إسرائيل بديلان اثنان (وهما ثلاثة في واقع الأمر):
1- من يريد ويقدر على التنازل عن تحقيق طموحاته القومية وممارستها، يمكنه أن يظل هنا وأن يحيا كفرد في الدولة اليهودية، وأن يتمتع طبعاً بكل الخير الوافر والتقدم اللذين جلبهما ويجلبهما الشعب اليهودي إلى أرض إسرائيل. سنتوسع لاحقاً بخصوص مكانة الذين سيختارون هذه الإمكانية، ومنظومة إدارة حيواتهم.
2- من لا يرغب أو أنه غير قادر على التنازل عن طموحاته وتطلعاته القومية، فإنه سيحصل منا على المساعدة لدعم هجرته إلى إحدى الدول العربية الكثيرة التي يمكن للعرب فيها ممارسة طموحاتهم القومية، أو إلى أي غاية أخرى في العالم.
من الجائز الافتراض طبعاً أن هذين الخيارين لن يكونا مقبولين لدى الجميع، وسيكون هناك من سيصرون على "الخيار" الثالث: مواصلة ممارسة العنف ضد الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل والسكان اليهود. هؤلاء المخربون سيلقون "العناية" اللازمة من قوات الأمن، وبوطأة أكبر مما نفعله اليوم ووسط ظروف أكثر راحة لنا.
أما بخصوص العرب الذين سيختارون البقاء هنا كأفراد والتمتع بكل ما يمكن لدولة إسرائيل منحهم إياه، فإنّه علينا أن نبلور لهم نموذج إقامة يتضمن إدارة الحياة المجتمعية الذاتية، ومعه حقوق وواجبات فردية. عندها سيدير عرب يهودا والسامرة شؤون حيواتهم اليومية بأنفسهم، وذلك عبر مديريات بلدية لوائية - لا تتسم بأي ميزات قومية - يمكنهم التصويت لها، بحيث تقيم هذه المديريات علاقات اقتصادية متبادلة وأخرى، بينها وبين نفسها، وبينها وبين السلطات المختلفة في دولة إسرائيل. فيما بعد، ومع تقدم المسار وتذويته وبناء على معايير الانتماء وأداء الخدمة العسكرية أو الوطنية، سيكون من الممكن دمج نماذج من الإقامة وحتى المواطنة.
هذا هو المخطط الأكثر عدلاً وأخلاقية وفق أي معيار تاريخي وصهيوني ويهودي - وهو الوحيد الذي سيفضي إلى الهدوء والسلام والتعايش. فالنتيجة الأصعب من الناحية الأخلاقية تنتج عن محاولات التوفيق بين التطلعين القوميين ومحاولة تمكين وجودهما جنباً إلى جنب في قطعة الأرض ذاتها، مع أن هذه المحاولات تبدو أكثر أخلاقية للوهلة الأولى (كونها تأخذ بعين الاعتبار - ظاهرياً - رغبات الطرفين، وترفض السماح للطرف المحق بأن يحسم بقوة الحق وبحق القوة)، وذلك لأن هذه المحاولات تكرّس الحرب وسفك الدماء. وفي مقابل ذلك فإن الحسم الذي يستند إلى حق الشعب اليهودي على أرض إسرائيل الذي يبدو هو الآخر وللوهلة الأولى أمراً استبداديا وأحادي الجانب - سيفضي إلى النتيجة الأفضل والأكثر أخلاقية: سيضع حداً لسفك الدماء وسيمكن من تحقيق تعايش حقيقي بين اليهود وبين العرب الذين سيختارون فعل ذلك.
هذه هي عصارة المخطط. والآن سأتركز في التفاصيل الأوسع والأشمل. لكن بما أن هذا المخطط يختلف جدا عن الخطاب المتداول بخصوص حل الصراع، يهمني هنا أن أكرر وأوضح فرضياته الأساسية الواقعية والأخلاقية، قبل الدخول في تفاصيله:
1- حل الدولتين غير واقعي ولن يكون كذلك قط. "دولتان لشعبين" هو شعار خال من أي مضمون، تحوّل هنا إلى حل بديهي ووحيد للصراع، خصوصاً بسبب الوهم القائل إن الجانب العربي مستعد لتسوية جغرافية ومستعد لقبول دولة إسرائيل كدولة يهودية. ومرة تلو الأخرى يتضح أن هذه الفرضية الأساسية مغلوطة. ففي واقعنا الحالي ستكون إقامة دولة إرهاب عربية في يهودا والسامرة انتحاراً أمنيا خطراً، وهي دولة ستكون مساحتها أكبر بعشرين ضعفاً عن دولة الإرهاب التي تقودها حماس في قطاع غزة. زد على ذلك أن انهيار دول عربية عريقة عدة في السنوات الأخيرة، يجعل من هذا النموذج السياسي أكثر إشكالية، إذ يصعب على المرء أن يرى فيه نموذجاً مستداماً. حل الدولتين غير قابل للتطبيق، لذلك حان الوقت لطرح حل يقوم على إدراك ومعتقدات أخرى تماماً.
2- المشروع الصهيوني المتمثل بعودة شعب إسرائيل إلى أرضه بعد نحو ألفي عام من المنفى والترحال والملاحقات، هو أكثر المشاريع عدلاً وأخلاقية التي حدثت في العالم خلال القرون الماضية وذلك من منظور تاريخي ودولي وديني. نحن منحازون تماماً، ونحن لا نفترض وجود "روايتين" متكافئتين بصدقيتهما وادعاءاتهما. إيماننا بصدقنا هو الذي يمنحنا البعد الأخلاقي للانتصار ولحسم الطموح العربي المتناقض. صحيح، نحن نعيش في عالم لم يعودوا يتحدثون فيه عن العدل وصاروا يتحدثون عن خطاب الروايات المختلفة، وصار من الصعب طرح مثل هذه الادعاءات، لكن هذا لا يعني أن هذه الادعاءات غير صحيحة. لقد أقيمت دولة إسرائيل انطلاقاً من قوة الإيمان بصحة القصة التوراتية، وموافقة أمم العالم - في لحظة تاريخية نادرة - على المساعدة في تحقيق الرؤيا وإعادة البلد إلى شعب إسرائيل. إن التقويض الزاحف لقرار تخصيص أرض إسرائيل كلها لشعب إسرائيل لم ينبع من اعتبارات تخص العدل والعدالة، بل من الخنوع للعنف العربي. وهكذا أزيلت في المرحلة الأولى منطقة ما وراء نهر الأردن الشرقية من المنطقة المعدة لإعادتها لشعب إسرائيل، وذلك لصالح إقامة المملكة الأردنية، وفي ما بعد وضعت خطة التقسيم التي بشرت أمام العالم بمعتقد الدولتين في أرض إسرائيل.
الإيمان بصحة الطريق حيوي، ومن يفتقد هذا الإيمان سيكون من الصعب عليه الدفاع عن مطالبة عرب يهودا والسامرة بالتخلي عن طموحاتهم وتطلعاتهم القومية، كي يكون بالإمكان تحقيق مطامحنا القومية. وقد سبق وأشرنا أعلاه إلى أن "الشعب الفلسطيني" الذي يطالب بحق تقرير المصير لا يختلف عن الأمة العربية وقبائلها، إلا في سعيه للقضاء على المشروع الصهيوني. ليس في هذا أي تجديد طبعاً؛ فقد كان هذا الأمر مفهوماً لدى بن غوريون و جولدا مثير، ولكل القيادات الإسرائيلية حتى وقت غير بعيد.
يُضاف إلى ذلك أن القومية اليهودية دفعت هذا البلد نحو الازدهار، الذي لم تقوَ مئات السنوات من الحكم العثماني على تحقيقه. يكفينا تصفح يوميات سفر وتجوال مارك توين هنا كي نتيقن من عظم الخراب والقفر اللذين كانا سائدين هنا قبل عودة الشعب اليهودي إلى أرضه. فمع عودة شعب إسرائيل إلى أرضه ازدهرت البرية وتحوّل هذا البلد إلى ما هو عليه اليوم. ونحن نشكك في مدى اهتمام العالم اليوم بسؤال "لمن تعود هذه الأرض؟"، لو أنها ما تزال اليوم قفراً كما كانت عليه قبل الصهيونية.
3- التحديات التي على دولة إسرائيل مواجهتها هي تحديات غير مسبوقة، لذلك يمكن بالتالي اقتراح حل وواقع ناتج عنه، بحيث يكونان خلاقَين وغير مسبوقَين. إن محاولات المقارنة بين الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وصراعات تجري في أماكن أخرى من العالم، وتفحص الراهن والتسويات المستقبلية وفقاً للمعايير المقبولة في فض النزاعات في مواقع أخرى هي كلها مغلوطة. ويكاد المرء أن يجزم بعدم وجود أي دولة أخرى تواجه تهديداً وجودياً كذلك الذي تضطر إسرائيل للتعامل معه منذ تأسيسها. ومن المؤكد عدم وجود دولة أخرى في العالم أقيمت بعد محاولات إبادة شعب، وهي محاطة بعدة دول لأمة تسعى للقضاء عليها، وتواجه طيلة الوقت تهديدات محلية وخارجية. لا توجد أي دولة قومية أخرى في العالم كهذه تتغذى جذور محاربتها والرغبة بالقضاء عليها من مجرد معارضة وجودها ومجرد وجود الشعب الذي يعتبرها بيته الوطني.
مواجهة واقع غير مسبوق تبرر حلولاً وتسويات غير مسبوقة، قد يكون من الصعب الدفاع عنها في وضعيات أخرى، لكن من الممكن بالتأكيد الإصرار عليها وتبريرها في سياق دولة إسرائيل. في ضمن هذا الوضع المعقد وغير المسبوق يجب على دولة إسرائيل مواصلة الحياة كبيت قومي للشعب اليهودي، وفي حال استوجب ضمان ذلك خلق بنى مدنية وديمقراطية وقانونية جديدة، فيجب ألا يُخيفنا هذا الأمر. ولو صغنا الأمور وفقاً لمصطلحات الخطاب الدستوري المتعارف عليه في إسرائيل لقلنا إن الغاية المرجوة هي غاية جديرة وهي تبرر خروجاً تناسبياً عن المبادئ المقبولة.
4- مقولة "الإرهاب ينبع من اليأس" هي مقولة كاذبة. ينبع الإرهاب من الأمل؛ الأمل بإضعافنا. يستند الإرهاب إلى الأمل بتحقيق الإنجازات بوساطته: إضعاف المجتمع الإسرائيلي وإجباره على قبول إقامة دولة عربية في أرض إسرائيل. حتى المخربين الانتحاريين لا ينشطون وسط فراغ، بل من أجل "هدف سام" كما يرونه. وعندما ينعدم هذا الهدف، أو عندما يصبح خالياً من أي مضمون، فإن الدافعية المولدة للإرهاب ستنخفض، وبالتالي سيضعف الإرهاب نفسه بعون الله.
5- ثمة تناقض بين التطلعات القومية الخاصة بالشعب اليهودي وبين عرب أرض إسرائيل، لا يمكن التجسير عليه ولا يمكن الإبقاء على هذه التطلعات سوية. فالتقسيمة الجغرافية المصطنعة للأراضي لن تصمد على أرض الواقع. لا يمكن دفع التهديدات الأمنية والديمغرافية إلى ما وراء الجدران والخطوط الوهمية التي رسمت بشكل قسري. المنطقة الواقعة بين البحر ونهر الأردن هي منطقة جغرافية وطوبوغرافية واحدة، ولا يمكن تقسيمها بشكل دائم و ثابت وفي حال جرى تقسيم المنطقة بشكل ما وحصل العرب على جزء منها من أجل تحقيق وممارسة تطلعاتهم وطموحاتهم القومية إلى جانب دولة إسرائيل، فإنهم لن يتخلوا عن طموحهم القومي بالقضاء على دولة إسرائيل، وسيظلون يسعون من أجل تحقيق هذا الطموح، وهذه المرة عبر نقطة انطلاق أكثر راحة لهم. لذلك، فإن أي حل يجب أن يستند إلى اجتثاث هذا المسعى بتحقيق الأمل القومي العربي بين نهر الأردن والبحر.
6- مقولة إنه لا يمكن "قمع" الطموحات العربية بتحقيق تجسد قومي في أرض إسرائيل هي مقولة غير صحيحة. لقد ثبتت صحة هذا الأمر جيداً مع عرب أرض إسرائيل مع إقامة دولة إسرائيل، ومن الممكن أن تثبت صحته - ويجب أن تثبت - في يهودا والسامرة على المنوال ذاته. عرب أرض إسرائيل ينظرون إلى ما حدث في العام 1948 باعتباره الكارثة الكبرى التي يسمونها "النكبة"، حرب الاستقلال، لا إلى "الاحتلال" في حرب الأيام السنة (1967). وقد اشتعلت حرب الاستقلال على طرد لاجئين وتدمير عشرات القرى العربية وإقامة بلدات يهودية على أنقاضها، والعيش تحت نظام حكم عسكري جائر على مدى سنوات طويلة لاحقة. على الرغم كل ذلك فإن عرب إسرائيل عاشوا عشرات السنوات في سلام تحت الحكم اليهودي من دون أن يكونوا ضالعين تقريباً في الإرهاب أو أي نشاطات ضد دولة إسرائيل، وسبب ذلك بسيط فمنذ 1948 وحتى مطلع سنوات التسعينيات كانوا ببساطة معدومي الأمل، أو لنقل من أجل الدقة: أن الأمل بالتخلص من المشروع الصهيوني قد أجتث مرة واحدة.
فعرب إسرائيل الذين عاشوا في تلك الفترة كانوا على يقين بأنهم لو فازوا في حرب التحرير حاشا وكلّا، لكانوا سيقضون على اليهود بقسوة، كما هو متعارف عليه في الشرق الأوسط بين المنتصرين والمهزومين، وكما يحدث اليوم. لهذا السبب تطلعوا بتقدير إلى الرحمة والسخاء الإسرائيليين اللذين عوملوا بهما، وعاشوا هنا بسلام، حتى قبل أن يتمتعوا بالحقوق المتساوية- ومن دونها أيضا. صحيح أنهم احتجوا احتجاجات مدنية على التمييز الذي كان قائماً في الحكم العسكري، وأن مظاهرات جرت ضد مصادرات الأراضي، إلا أن ذلك جرى من دون تيارات قومية ومن دون سعي لتحقيق رؤيا قومية أياً كانت.
إن التطرف القوموي لدى عرب إسرائيل ودعمهم للإرهاب وممارسة العنف من طرف عرب يهودا والسامرة ضد دولة إسرائيل، قد بدآ في مرحلة ما مطلع سنوات التسعينيات حين قامت دولة إسرائيل بفعل غبي تمثل بجلب مخربي منظمة التحرير الفلسطينية من تونس إلى يهودا والسامرة، وبدأت بتنمية الأمل القومي وتعزيزه لدى عرب يهودا والسامرة. وهكذا، رأينا أن الأمل القومي الفلسطيني الذي سُلط على عرب يهودا والسامرة، أعاد إشعال المشاعر والتطلعات القومية لدى عرب إسرائيل وتسبب في تطرف قوموي خطير بينهم، نحن نعيش نتائجه اليوم.
يجب، وبالإمكان العودة إلى الأيام التي تلت 1948، سواء الدى عرب إسرائيل أم عرب يهودا والسامرة. لقد كان ذلك وصفة ممتازة وقتها، ومن الممكن - ويجب - أن تكون وصفة ممتازة اليوم أيضاً. نحن لا ندعي رغبة أو قدرة على محو أو تغيير الهوية القومية؛ لكن يوسعنا - ويجب علينا - تغيير المسعى لتحقيق هذه الرغبة بين البحر والنهر. من الممكن - ويجب - القضاء على الأمل العربي بتحقيق التطلعات القومية وممارستها في أرض إسرائيل وزرع بذور أمل جديد يستند إلى الحياة الفردية الطيبة التي تتفوق بدرجات على الحياة التي يحياها العرب في كل دول الشرق الأوسط المحيطة بنا.
7- نحن ننظر إلى مدى أخلاقية فعل ما وفق امتحان النتيجة، وليس وفقاً للنظرة الأولى. فالواقع يشير إلى أننا تحقق الواقع الأفضل والأكثر أخلاقية للطرفين عندما نتولى نحن المسؤولية وإدارة المنطقة، وعندما نترك المكان تتحصل نتائج عكسية. لقد خرجنا من قطاع غزة بسبب رغبتنا بأن نكون "أخلاقيين" ولرفضنا "السيطرة على شعب آخر". ومن وقتها نرى كيف أن حياة العرب هناك قد تحسنت من دون أدنى شك: فبدلاً من توفير الكهرباء بشكل دائم ومنتظم ها هم يتمتعون بالكهرباء ست ساعات يومياً فقط؛ وبدلاً من توفر المياه الجارية في الحنفيات فإنهم يواجهون أزمة مياه كبيرة ستؤدي إلى كارثة إنسانية؛ وبدلاً من توفير العمل والأرزاق نحن نرى أن مواطني غزة يتمتعون "بحياة رغيدة" في حين أن أكثر من خمسين بالمئة منهم عاطلون عن العمل وهم في إجازة قسرية طيلة العام. عشرات الآلاف منهم من دون مأوى، ومن دون أي بارقة أمل. وبكلمات أبسط منذ أن خرجنا من قطاع غزة فإن السكان هناك يحظون بحقوق وحريات أقل بكثير عن السابق. وهم يفتقرون أيضاً للديمقراطية وحق التصويت ولا يملكون إلا نظام حكم قامعاً تابعاً لحركة حماس التي تستحوذ على غالبية الموارد التي يجري إدخالها إلى القطاع، وتستخدمها الأغراض التسلّح وحفر الأنفاق بدلاً من إعادة ترميم القطاع. إنّه وضع يتميز بكونه أسوأ وأقل أخلاقية وإنسانية بكثير للطرفين، إذا ما قارناه بالواقع الذي ساد أثناء سيطرة الجيش الإسرائيلي هناك. ليس من سبب للافتراض أن الوضع سيكون مختلفاً في حال إقامة دولة في يهودا والسامرة.
8- حسم الصراع أبخس ثمناً وأصح اقتصادياً أكثر بكثير من مواصلة إدارته. هناك من يدعي أن فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق يهودا والسامرة سيكون باهظ الثمن وسيكون عبئاً على المرافق الاقتصادية الإسرائيلية. أولاً، هذا ادعاء واه للغاية. فنحن نرى في أرجاء العالم أن الدول النامية هي التي تقوم بالذات بإنتاج محرّكات النمو الأكبر، ونرى اقتصادها يكبر وينمو. لذلك فإنّ الحاجة للجسر على الهوات القائمة بين الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني تحمل في طياتها إمكانيات كامنة للنمو الاقتصادي الكبير في المرافق الاقتصادية الإسرائيلية. فتطوير جودة الحياة والتكنولوجيا والبنى التحتية وسائر مركبات الحياة في يهودا والسامرة ستزيد كلها من الاستهلاك، وبالتالي النمو الاقتصادي في المرفقَين ( يهودا والسامرة وإسرائيل). ثانياً وبما لا يقل أهمية، مهما بلغت تكلفة فرض السيادة على المرافق الاقتصادية الإسرائيلية فإنها ستظل أقل كلفة بكثير من المصاريف الأمنية ومن المصروفات غير المباشرة للمرافق الاقتصادية التي ستكون منوطة بمواصلة إدارة الصراع، والجولات الحربية وما شابه، وهي ستكون أقل تكلفة بالتأكيد من تكلفة طرد عشرات آلاف المستوطنين وإعادة توطينهم في نطاق الخط الأخضر.
المرحلة الأولى: حسم استيطاني
الحسم الأول والأساسي هو الحسم الاستيطاني. علينا أن نوضح في هذه المرحلة بشكل علني وواضح هذه الحقيقة الأساسية: نحن هنا كي نبقى. ونحن نوضح أيضاً أن تحقيق طموحنا القومي بدولة يهودية من النهر إلى البحر، هو حقيقة مطلقة غير مطروحة للنقاش أو التفاوض.
نحن نحقق هذه المرحلة عبر نشاط سياسي قانوني أي عبر فرض السيادة على كل أرجاء يهودا والسامرة وعبر النشاطات الاستيطانية، أي إقامة البلدات والمدن وبسط البنى التحتية كما هو متبع في إسرائيل "الصغيرة"، وتشجيع عشرات ومئات آلاف الأشخاص الآخرين على الانتقال للسكن في مناطق يهودا والسامرة. هكذا يمكننا أن نخلق في سنوات معدودة واقعاً واضحاً ومستداماً على الأرض.
لا شيء أفضل من هذا للتأثير على وعي عرب يهودا والسامرة، كما أنه سيساعدهم على التخلص من وهم الدولة الفلسطينية وسيُوضح لهم أن لا أمل بتاتاً في قيام دولة عربية إضافية غربي نهر الأردن. فكما نعلم الحقائق على الأرض تغير الوعي وتحسمه والمناطق الاستيطانية ستثبت ذلك.
يُضاف إلى ذلك أن تطوير الاستيطان الإسرائيلي في يهودا والسامرة بشكل سيادي وممأسس سيساعد على حل ضائقة السكن في دولة إسرائيل. ففي يهودا والسامرة أراضي دولة كثيرة وهي في مركز البلد وبالإمكان تحويلها إلى مناطق متاحة للسكن بأسعار متدنية أكثر بكثير من المتداول داخل الخط الأخضر، الأمر الذي سيؤدي إلى رفع العروضات الإسكانية المقدور عليها في إسرائيل بمئات آلاف الوحدات.
سيقلص هذا الحسم البيِّن والنهائي للصراع من دافعية اللجوء إلى الإرهاب. هذا لن يحدث طبعاً بين ليلة وضحاها. إنها مسألة تتطلب الوقت، وخصوصاً في أعقاب ما حدث في العقود الثلاثة الأخيرة إذ قمنا بعمل غبي تجسّد في تطوير الوهم لدى العرب بأن بمقدورهم إقامة دولة هنا. بعد كل هذه السنوات التي عودنا العالم فيها على نهج "حل الدولتين"، فمن الطبيعي أن نحتاج للوقت لإقناع الجميع بأن هذا النهج لن يتحقق. نحن بحاجة إلى الوقت لإقناع الجميع بأننا جديون، وأننا أعدنا رسم طريقنا من جديد، وأن الدولة الفلسطينية لن تقوم، لذلك فلا يوجد أي هدف يرتجى تحقيقه من وراء الإرهاب.
من المرجح أن تزداد الجهود الإرهابية لدى العرب في المرحلة الأولى؛ فالإحباط من عجزهم عن تحقيق أملهم وهمهم الذي طوّرناه نحن بأنفسنا، سيزداد، لذلك ستتعاظم دافعية وجهود القيام بعمليات إرهابية، في محاولة يائسة أخيرة لتحقيق هذا الأمل على الرغم من كل شيء. لكن في مرحلة ما ستحل المرحلة التي سيتحول فيها الإحباط إلى اليأس، لدرجة التسليم والإدراك بأن الأمر محال. محال تماماً. وعندما يتغلغل هذا الإدراك في الوعي ويُصبح الإرهاب ممارسة بلا هدف ستتضاءل الدافعية لفعله، الأمر الذي يعني أيضاً تضاؤل تجسداته الفعلية.
أنا متأكد كل التأكيد أن الجيش الإسرائيلي قادر في المرحلة الانتقالية على مواجهة التهديدات المؤقتة، وذلك بمعية توجيهات سياسية حازمة وقاطعة، وعلى هزم الإرهاب واستكمال الحسم الاستيطاني بحسم عسكري حاد.
المرحلة ب: البديلان والحسم العسكري
يتضمن الحسم الاستيطاني في المرحلة الأولى اجتثاث الأمل العربي بإقامة دولة غربي نهر الأردن، وفي ضمن هذا الحسم سيطرح أمام عرب يهودا والسامرة مساران اثنان:
1- سلام وهوية محلية
نحن سنوفر أملاً جديداً أمام الراغبين بذلك من عرب يهودا والسامرة، بضمان مستقبل جيد وحياة فردية طيبة تحت كنف الدولة اليهودية. لقد أسدى الشعب اليهودي لهذا البلد صنيعة كبرى الوفرة، والتقدم والتطوير، والتكنولوجيا، وسيكون من دواعي سروره تمكين كل من يرغب بالعيش هنا بسلام من التمتع بكل ذلك. فمن يقرّر البقاء هنا من منطلق كونه فرداً يمكنه التمتع بحياة طيبة أفضل بكثير من الحياة التي يحظى بها أقرباؤه وأصحابه. من ضمن ذلك حرية الحركة والمعتقد والتعبير، وما شابه من حقوق وحريات تميز دولة إسرائيل الديمقراطية والتقدمية. وستشتمل هذه الحياة أيضاً على حق التصويت للمنظومة التي ستتولى إدارة شؤون الحياة اليومية.
سيقسم نظام الحكم المستقل لعرب يهودا والسامرة إلى ست مديريات حكم بلدية لوائية تنتخب في انتخابات ديمقراطية، وهي: الخليل وبيت لحم ورام الله وأريحا ونابلس وجنين. تلائم هذه المديريات المبنى الثقافي والعشائري للمجتمع العربي، لذلك فإنها ستضمن السلام الداخلي والازدهار الاقتصادي. نحن نرى أمام أعيننا فشل فكرة "الدولة القومية" في الحيز العربي وهي فكرة استوردتها من أوروبا الدول الكولونيالية العظمى. ويرى الكثيرون أن هذا الفشل ينبع من تجاهل المبنى العشائري والقبلي في المجتمع العربي. الدول العربية المزدهرة هي دول الخليج التي تقوم على مبنى قبلي عشائري تقليدي.
عرب الخليل ليسوا كعرب رام الله، وهؤلاء ليسوا كعرب نابلس، والأخيرون ليسوا كعرب أريحا، حتى أن اللهجات العربية المحكية تختلف من منطقة إلى أخرى. لذلك فإن تقسيمة المديريات البلدية ستفكك الجماعة القومية الفلسطينية وطموحات تحقيقها، لكنها ستحافظ في الوقت ذاته على التقسيمات العشائرية - القبلية وبذلك ستسمح بوجود منظومة مستقرة لإدارة الحياة اليومية من دون توترات ومن دون صراعات داخلية. زد على ذلك أن المديريات البلدية المقترحة ستسير منظومة علاقات تبادلية بينها وبين نفسها، وبينها وبين دولة إسرائيل كذلك، الأمر الذي سيمكن من تطبيق تطوير اقتصادي إقليمي مستقر ومستدام.
في ظل غياب الإرهاب والتهديدات الأمنية سيكون بمقدور سكان المديريات البلدية الإقليمية التمتع بحرية الحركة والتنقل، وبالقدرة على دخول البلدات الإسرائيلية في يهودا والسامرة وداخل دولة إسرائيل لغرض العمل والاحتياجات الإنسانية، وذلك سيعود بالفائدة على الطرفين.
كما سبق وأسلفنا، سيكون عرب يهودا والسامرة قادرين على إدارة شؤون حياتهم اليومية بأنفسهم، لكن لن يكون بوسعهم في المرحلة الأولى التصويت للكنيست الإسرائيلي. سيضمن هذا الأمر وجود أغلبية يهودية في كل ما يخص اتخاذ القرارات في دولة إسرائيل. وكما سنسهب لاحقاً، فعلى الرغم من أننا نتحدث هنا عن واقع غير سوي تماماً من ناحية حقوق المواطن إلا أن الحديث يدور هنا عن واقع معقول بكل تأكيد وحتى أنه سيكون الواقع الأفضل في ظل الظروف المركبة الخاصة بدولة إسرائيل في الحيز الشرق أوسطي. وسيكون بالإمكان على المدى البعيد تحسين المركّب الديمقراطي الخاص بالمخطط عبر تسوية إقليمية واسعة مع الأردن، ستسمح لعرب يهودا والسامرة بالتصويت للبرلمان الأردني وبالتالي ممارسة حقهم بالتصويت لبرلمان سيادي. وثمة تحسين آخر يمكن فحصه مستقبلاً وبعد التأكد من صدق نوايا وتسليم أولئك الذين سيفضلون البقاء هنا، وهو إشراك عرب يهودا والسامرة الذين سيبقون هنا في القرارات المدنية داخل دولة إسرائيل، لكن ليس في القرارات القومية. هذا الأمر يلزم بإجراء تغييرات دستورية من الجدير مناقشتها لاحقاً. ومن الممكن الأخذ بعين الاعتبار كإمكانية ثالثة منحهم المواطنة الكاملة، بما في ذلك التصويت للكنيست، وفقاً لعدد السكان العرب الذين سيطلبون فعل ذلك وبموازاة التعبير عن الولاء المطلق للدولة اليهودية بوساطة الخدمة العسكرية الإلزامية أسوة بمواطني الدولة الدروز الذين ربطوا مصيرهم بدولة إسرائيل كدولة يهودية، وهم يعيشون معها في شراكة شجاعة.
لا، هذه التسوية التدريجية لا تجعل من دولة إسرائيل "دولة أبرتهايد". فنظام الحريات لا يبدأ وينتهي بالحق في التصويت والترشح للانتخابات. لا شك في أن هذا الحق هو واحد من الحقوق الأساسية الديمقراطية، إلا أنه ليس الحق الوحيد القائم في صلب تعريف هذا النظام. نحن معتادون اليوم على إدراج منظومة كاملة من الحرّيات والحقوق تحت عنوان "ديمقراطية" : الحق بالحياة، والكرامة والملكية، حرية المعتقد والتعبير والحركة، وغيرها. القسم الأكبر من هذه الحقوق والحريات سيمنح في إطار المخطط لعرب يهودا والسامرة، ومن ضمنها الحق بالتصويت للمديريات البلدية التي تدير شؤون حيواتهم اليومية. وحتى مع غياب حق التصويت لبرلمان سيادي بالكامل فنحن لا نتحدث هنا عن نظام حكم أبرتهايد، بل عن عنصر واحد ناقص من سلة الحريات كأقصى حد، أو يمكن صياغة ذلك بأنه نقص في نصاعة الديمقراطية.
الحقيقة المسلّمة والبديهية التي تقول إن "الديمقراطية من دون حق الجميع الكامل والمتكافئ بالانتخاب والترشح ليست ديمقراطية" تخدم المريدين الحمقى لـ "حل الدولتين"، وهي تمكنهم من ترهيب الجمهور الإسرائيلي وترويعه والادعاء بأنه من دون إقامة دولة إرهاب عربية في قلب أرض إسرائيل، فإن دولة إسرائيل ستضطر للاختيار بين كونها دولة يهودية وبين كونها دولة ديمقراطية. هذا ببساطة مناف للحقيقة. بالإمكان فرض السيادة الإسرائيلية على كل مناطق يهودا والسامرة من دون منح العرب القاطنين فيها حق التصويت للكنيست منذ اليوم الأول وضمان بقاء إسرائيل دولة ديمقراطية. لن تكون ديمقراطية مكتملة لكنها ستظل ديمقراطية. لن تكون مكتملة لأن الواقع ببساطة ليس كاملاً. وكما سبق وكتبنا في البداية، فإن دولة إسرائيل تواجه تحدياً وجودياً غير مسبوق، وإذا كان النموذج الذي سيمكنها من الوقوف في وجه هذا التحدي يشمل نقصاً معيناً على المستوى الديمقراطي فإن هذا الثمن معقول بكل تأكيد. وضعية إسرائيل هي وضعية خاصة ومتفردة، لذلك علينا ألا نصاب بالذعر من أن مواجهة هذه الوضعية ستكون هي الأخرى خاصة ومتفردة.
أما بما يخص الديمقراطيات الغربية، فتشير التجارب بالمناسبة إلى أن هذه الديمقراطيات خلفت من ورائها قيم الديمقراطية حين اضطرت لمواجهة تحديات أمنية أبسط بكثير. هذا ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية في العراق وأفغانستان وحتى مع مواطنيها بعد تفجير البرجين في نيويورك، وهذا ما تفعله اليوم الدول الغربية في مواجهتها الإرهاب في ضمن حدودها. بوسع دولة إسرائيل أن تكون فخورة بالشكل الذي تتعامل فيه مع تحدياتها الوجودية. وحقيقة أن التسويات التي ستتبلور بعد مرحلة الحسم لن تكون مثالية في مركباتها الديمقراطية، لا تعني وجوب الانتقاص من هذا الأمر.
من المهم بمكان أن نتذكر أن البدائل أسوأ بكثير: إقامة دولة فلسطينية تُشكل خطراً على وجود دولة إسرائيل، ومنح حق التصويت الكامل والفوري لعرب يهودا والسامرة سيؤدي إلى نقص كبير في المركب اليهودي لدولة إسرائيل. وإذا أضررتُ لاختيار المكان الذي سأسقط عليه نتائج الواقع المركب وغير المثالي الخاص بدولة إسرائيل، هل سأسقط ذلك على المستوى الوجودي، أم على المستوى اليهودي، أم المستوى الديمقراطي، فإن قراري سهل. زد على ذلك أن هذا الوضع قائم في دولة إسرائيل منذ خمسين عاماً في سياق عرب شرقي القدس: فهم يتمتعون بمكانة مقيمين وليسوا مواطنين، ودولة إسرائيل لم تتوقف عن كونها دولة ديمقراطية نتيجة لذلك.
يُضاف إلى ذلك ما حدث في العقود الأخيرة، وخصوصاً في أعقاب الانقلاب الدستوري وكجزء منه، إذ إن دولة إسرائيل نقلت صلب الديمقراطية من المدلولات البسيطة لـ "سلطة الأغلبية" - التي يشتق منها الحق بالانتخاب والترشح وهي في الوقت ذاته وسيلة تحقيقها - إلى منظومة من القيم والحقوق، وهي "قيم الديمقراطية الأساسية"، التي لا يمكن المس بها حتى بوساطة جهاز الانتخاب بالأغلبية. وهكذا انتقل مركز الثقل الخاص بالديمقراطية من الجهاز الانتخابي إلى قيم وحقوق أساسية. ولسبب ما، نرى في ما يخص السياق الفلسطيني كيف أن أولئك الذين ينادون بالديمقراطية الجوهرية يدعون فجأة إلى التمسك بالجهاز الانتخابي التقني الخاص بالديمقراطية الشكلانية ويتجاهلون سائر الأمور الأخرى، وبالأخص انتهاك الحقوق الذي يجري في الجانب الفلسطيني، وهو انتهاك صعب ويومي. في المخطط المطروح أمامكم سيتمتع عرب يهودا والسامرة بمجمل القيم والحقوق والحريات الديمقراطية التي أضحت مهمة للغاية في العقود الأخيرة.
ليس ثمة أي أساس للتقدير القائل إن نظام الحكم الخاص بالدولة الفلسطينية، في حال قامت لا سمح الله، سيكون مختلفاً عن المتبع والدارج في الدول الشرق أوسطية من حولنا، وعن الدارج والمتبع في السلطة الفلسطينية في أيامنا هذه (لم تُجر فيها انتخابات حرة منذ أكثر من عقد كامل). وفي امتحان النتيجة ستكون العرب يهودا والسامرة تحت الحكم الإسرائيلي حقوق أكثر بكثير من الحقوق التي يتمتعون بها اليوم، ومن أي حقوق سيتمتعون بها مستقبلاً تحت أي شكل من أشكال الحكم العربي حتى لو لم يمنحوا في المرحلة الأولى الحق بالتصويت لانتخابات الكنيست. مَن يتجاهل انتهاك الحقوق الديمقراطية في الأنظمة العربية ويسعى لإقامة كيان قومي لعرب يهودا والسامرة، يُثبت في واقع الأمر أنه لا يكترث حقيقة لوضعية حقوق عرب يهودا والسامرة بعد إقامة هذا الكيان. الأمر الوحيد الذي يهمه هو ألا يتهمه العالم بأنّه دولة "أبرتهايد". أنا مقتنع بأن عرب يهودا والسامرة سيتمتعون تحت الحكم الإسرائيلي بحقوق وحريات ديمقراطية أكثر بكثير من أي نظام حكم آخر. لذلك، فإن نظرة شاملة لا تتركز فقط في أي تهمة ستوجه إلينا أم لا، بوسعها أن تشير إلى أن "مخطط الحسم" يحظى بأفضلية على المستوى الديمقراطي أيضاً.
يهمنا القول في ختام هذه النقطة إنه لا فارق من الناحية الديمقراطية بين المخطط السياسي الذي وضعه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبين المخطط الذي أمامكم. فنتنياهو يُعرف الكيان القومي العربي الذي يسعى لإقامته في يهودا والسامرة على أنه "أقل من دولة"، وهو بهذا يُجسد حقيقة أنه لا ينوي - وبحق - السماح لذلك الكيان السياسي بإقامة جيش والسيطرة على الحدود والمجالين الجوي والبحري والفضاء السيبراني. ما دمنا نسيطر على تعريف الحدود السيادية لذلك الكيان العربي فإن هذا يعني أن الحديث لا يجري عن دولة سيادية حقيقية، وعليه فإن حق التصويت الذي سيتمتع به عرب يهودا والسامرة لن يكون حقا مكتملا . هذا "ثمن" يدركه نتنياهو أيضًا، وهو يدرك أنه من الضروري دفع ثمن على المستوى الديمقراطي، بغية ضمان أمن ووجود دولة إسرائيل. ومن هذه الناحية، لا فرق بين الوضعية التي ستكون عندها وبين الوضعية الحالية التي يتمتع فيها عرب يهودا والسامرة بحق التصويت للبرلمان الفلسطيني معدوم السيادة، وبين الوضعية التي ستنشأ وفق هذا المخطط الذي يفيد بأن عرب يهودا والسامرة سيصوتون للمديريات البلدية. في كل البدائل سيملكون حق التصويت الفعلي للجهاز الذي يدير حيواتهم بشكل عملي وفعلي، لكنه ليس حق تصويت أيديولوجيا البرلمان سيادي. إذا كان مخطط نتنياهو ينجح في الامتحان الديمقراطي، فإن هذا المخطط ينجح أيضاً. الفارق هنا أن نتنياهو يحافظ في مخططه على وجود كيان قومي جمعي للعرب في يهودا والسامرة، وهو كيان ذو تطلعات وطموحات قومية تناقض تطلعاتنا نحن، أما في مخططنا فهذا غير موجود. وهذا الأمر - كما سبق وأشرنا - هو نقطة أفضلية إستراتيجية لهذا المخطط، تضمن التوصل إلى سلام بدلاً من تكريس الصراع وبقائه.
2- الهجرة
البديل الثاني مخصص لعرب يهودا والسامرة الذين سيستصعبون التنازل عن تحقيق مطامحهم القومية. من يعجز عن البقاء هنا كفرد مستقل يتنازل عن حلم تحقيق طموحاته وتطلعاته القومية، فهو مدعو للذهاب وتحقيقها في إحدى الدول العربية الكثيرة من حولنا، أو أن يبحث عن مستقبل أفضل في أوروبا أو أميركا الجنوبية أو دول أخرى، كما يفعل عرب كثر من حولنا، بحيث لن يضطر للعيش في دولة اليهود.
لقد لوح اليسار الإسرائيلي لسنوات طويلة براية الفصل والأغلبية اليهودية، أي أنه يدعو وبمنهجية لضمان وجود نسبة عالية من اليهود في دولة إسرائيل وهو يُفضّل الفصل على العيش مع العرب، وها هو لسبب ما، يتحفظ من الوسيلة النزيهة والناجعة لتحسين الواقع الديمغرافي ألا وهي التشجيع على الهجرة. ومن ضمن الادعاءات الرائجة أن "العرب ليسوا مهاجرين وهم ملتصقون بأراضيهم"، أو أن "الهجرة هي طرد قاس"، وحتى أن "لا أحد يريد استيعاب وتوطين المهاجرين العرب". هذه الادعاءات - وليغفر لي الجميع - مفندة كلها.
فلنبدأ بالادعاء الأول: يبدو لي أن لا حاجة اليوم لطرح الكثير من الادعاءات بغية إثبات أن الهجرة هي خيار مطروح لدى العرب، وهو خيار يُقبل عليه الكثيرون اليوم - من يهودا والسامرة ومن الدول العربية - على الرغم من أن الهجرة تخضع للكثير من القيود، ولا تحظى بأي تشجيع. نحن نرى أن الهجرة ستتحول إلى ظاهرة واسعة الانتشار أكثر من اليوم لو حققنا واقعاً يُسهل على عملية الهجرة، من خلال توفير الدعم اللوجستي للمعنيين بالبحث عن حظوظهم في بلاد أخرى.
لا، نحن لا نتحدث هنا عن نوايا لطرد وحشي، ولا عن غمر الدول بلاجئين معدمين؛ الهجرة التي نتحدث عنها هي هجرة تجري سلفاً عن طواعية ومن منطلق البحث عن مستقبل أفضل، لأشخاص يملكون المؤهلات الملائمة والقدرات الاقتصادية لاستيعابهم في البلدان الجديدة. نحن لا نتحدث عن هجرة في قوارب متهالكة، بل عن ظاهرة عصرية منتشرة جداً تتلخص في الصعود إلى طائرة للبحث عن مستقبل مرتب، "ريلوكيشن" [Relocation] لبلدان تمنح فرصة لمستقبل أفضل، واستيعاب الهجرة في بيئة تتألف في معظم الحالات من مهاجرين لهم خلفيات متشابهة.
أما بخصوص الادعاء الثالث - من سيرغب باستيعابهم؟ - فهو ادعاء عار عن الصحة. يستصعب العالم التعامل مع موجات لجوء المهاجرين معدمين لكن دولاZ كثيرة في العالم تفتح ذراعيها للمهاجرين ذوي التأهيل المهني والتمويل لأسباب كثيرة ومختلفة، وهذا ما ستكون عليه الهجرة العربية من يهودا والسامرة. يمكن لدولة إسرائيل - وحري بها ذلك - أن تكون سخية تجاه العرب الذين سيفضلون العيش في بلدان أخرى، وأن تمنحهم هبة مالية تمكنهم من الانتقال بشكل محترم وناجح، وهذه الهبة ستكون من جهة إسرائيل هبة وداع.
لقد انبنت الصهيونية على التبادل السكاني: هجرة واسعة لليهود من البلدان العربية وأوروبا إلى أرض إسرائيل، طواعية أم قسراً، وخروج أعداد كبيرة من العرب كانوا يعيشون هنا - طواعية أم قسراً - إلى الحيز العربي المحيط. ويبدو أن هذا المسار التاريخي ما يزال بحاجة لاستكماله، الأمر الذي سيضمن بوضوح مستقبلاً من السلام.
3- الحسم العسكري
سيكون هناك من سيستصعبون التسليم بمسألة حسم الصراع - في البداية على الأقل، وسيختارون مواصلة نضالهم العنيف ضد دولة إسرائيل. ونحن علينا التصرف في الحرب كما في الحرب: بوسعنا وعلينا أن ننتصر. من يعتقد أنه سيبقى هنا وسيسعى طيلة الوقت لممارسة العنف ضد حق وجود دولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي، سيجد جيش الدفاع الإسرائيلي مصمماً لإخضاعه بعون الله بوساطة الحسم العسكري. نحمد الله أن جيش الدفاع الإسرائيلي هو جيش قوي وذكي، وبوجود توجيه سياسي حازم وقاطع فإنه قادر من دون شك على إخضاع المخربين خلال وقت قصير. وهو قادر على قتل من يجب قتله، وعلى جمع السلاح حتى آخر رصاصة، وإعادة الأمن والأمان لمواطني دولة إسرائيل.
العرب الذين لن يتنازلوا عن طموحاتهم وتطلعاتهم القومية ولكنهم سيمتنعون عن اتخاذ خطوات تقويضية لن يُمسوا بأذى. هذا المخطط لا يتوقع أن يُحب الجميع دولة إسرائيل، وأن يؤدوا التحية العسكرية لعلمها وينشدوا نشيدها الوطني. يكفينا أن يتخذوا قراراً عملياً بعدم محاربة جيش الدفاع الإسرائيلي ودولة إسرائيل كي ندرك أنهم توصلوا إلى تسوية وقبول للواقع الجديد. يمكن للولاء - وعليه - أن يكون شرطاً للحصول على حقوق مختلفة والتقدم في سلم النماذج المختلفة من الإقامة والمواطنة، مع أن هذا الولاء ليس دلالة على مجرد التسليم بالأمر.
إن طرح الإمكانيات المختلفة أمام العرب يعني في واقع الأمر أننا نتعامل مع مجمل الردود الإنسانية المحتملة على الواقع الجديد. البشر ينشطون ويتصرفون انطلاقاً من دوافع تخص الراحة الشخصية، إلى جانب دوافع تخص الهوية الدينية والقومية؛ وهم يتصرفون وفقاً لما هو ممكن، أو وفقاً لأيديولوجيا لا تأخذ الواقع بعين الاعتبار. الواقع الجديد الذي يخص الحسم الإسرائيلي سيوضح أن لا مكان لحركتين قوميتين في أرض إسرائيل، وسيدفع الناس الواقعيين الذين ينشطون في ضمن حدود الممكن إلى اختيار بديل من البديلين المطروحين أمامهم. هناك من سيفضل الراحة والأمان اللذين ستوفرهما الحياة تحت رعاية الدولة اليهودية لمعرفتهم بأن تطلعاتهم القومية لن تتجسد في الدولة التي اختاروا العيش فيها؛ وهناك من سيستصعبون التنازل عن روايتهم القومية الفلسطينية، التي ترى في الصهيونية عدواً مُراً وسيفضلون البحث عن حظوظهم في مكان آخر: في دولة عربية يمكنهم فيها ممارسة هويتهم الدينية - القومية، أو حتى في دولة غربية- المهم ألا يعيشوا تحت حكم الصهاينة. وكما سبق وذكرنا، سيكون مَن يُفضّلون مواصلة القتال وستقوم قواتنا بإخضاعهم بسرعة وبتصميم. وبهذا فإن مخطط الحسم يتطرق إلى كل الردود الممكنة من طرف عرب يهودا والسامرة على الواقع الجديد. لكن ثمة أمر واحد لا يسمح به هذا المخطط : مواصلة الوجود الموازي لطموحين قوميين عينيين بخصوص هذه الرقعة من الأرض؛ هذا وجود يكرّس الصراع ويحكم علينا "بإدارة الصراع" بدلاً من حسمه.
يمكننا التقدير بأن هذا المسار سيتطلب سنوات لتحقيقه. فعملية الاقتناع الداخلي العميق لدى العرب بفقدانهم الأمل القومي، وهضم الواقع الجديد واختيار أحد البديلين المقترحين في المخطط، سيتطلبان وقتاً معيناً، وفي هذا الوقت سنكون مطالبين بالصبر والأناة. وكما ذكرت سابقاً، أنا واثق تمام الثقة بأن جيش الدفاع الإسرائيلي قادر بعون الله على مساعدتنا في عبور هذه المرحلة الانتقالية بأمان. وسندرك تماماً أن الثمن الذي سندفعه في المرحلة الانتقالية كان مجدياً للغاية، حين سنتوصل في نهاية هذا المسار إلى الهدوء والسلام والتعايش مع من سيختارون البقاء هنا، وفق شروطنا الجيدة والمنطقية.
بتقديري إن الحسم الاستيطاني سيتكفل بغالبية ما نود إنجازه في السنوات الأولى. فوقف الانشغال المهووس لدى القيادة الإسرائيلية بالصراع وبمحاولة "حله"، والتركز في تطوير المنطقة من خلال ترسيخ شواهد واضحة للسيادة الإسرائيلية، ستؤدي إلى تعقل العرب وإلى إبطال أي جدوى من مواصلة إدارة الجانب العربي للصراع بشكل عنيف. وسرعان ما سيتضح أن الإرهاب عقيم وهو يمس بالأساس - وبشكل شبه حصري - بالمبادرين له وببيئتهم الداعمة. في المقابل، سيعرض الأمل المتمثل بالتسليم مع الواقع الجديد ومع الحياة الطيبة التي ستكون بانتظار كل من يختار المضي في هذا السبيل - هنا أو وراء البحار.
التعامل مع التحديات
1- رد فعل المنظومة الدولية
فلنعترف بالحقيقة من الصعب اليوم أن نوجه انتقاداتنا إلى المجتمع الدولي. فعلى مر العقود كانت إسرائيل الرسمية تعرض موقفاً داعماً لإقامة دولة فلسطينية، حتى أنها تعرض هذه الفكرة كفكرة عادلة وأخلاقية. على مر هذه السنوات كانت القيادة الإسرائيلية تقول "نعم، ولكن ليس الآن". "نعم" - الدولة الفلسطينية هي حل عادل يجب السعي إليه "لكن ليس الآن"، وذلك للعديد من الأسباب والأعذار. ومقابل هذا الموقف يطرح العالم مطلباً عادلاً بنظره: إذا كنتم أنتم تعترفون أيضاً بأن هذا هو الحل العادل والأخلاقي فعليكم تطبيقه، وبالأخص وقف اتخاذ الخطوات التي تبعد هذا الحل، مثل البناء في البلدات الإسرائيلية في يهودا والسامرة. ويرى المجتمع الدولي أن ثمة حلولاً للمخاوف الأمنية الحقيقية التي تراود دولة إسرائيل، مثل الضمانات الدولية، ورزم المعونات، والأنظمة العسكرية الدفاعية وغيرها، مع أن هذه المخاوف لا يمكن أن تبرر الامتناع عن دفع هذا "الحل" طيلة هذه السنوات الطويلة. هذا موقف منطقي وربما مطلوب، وهو يوضح الوضعية الدولية المركبة التي تواجهها إسرائيل.
يعرض مخطط الحسم نهجاً جديداً في مواجهة المجتمع الدولي، سيعتاد عليه العالم وسيقبله حتى لو تطلب ذلك بعض الوقت. فأولاً نحن نتحدث عن مخطط يستند إلى العدل. العالم في جزئه الكبير عالم متدين، ومن المفترض به الاعتراف بصلة أرض إسرائيل مع شعب إسرائيل. وحتى الآن تحدث العرب عن العدل وتحدثنا نحن عن الأمن، فيما فضّل العالم العدل، وبحق ... علينا منذ الآن أن نتحدث عن العدل نحن أيضاً، وهذه ادعاءات يمكن أن تكون مقنعة.
ثانياً، يجب علينا تعزيز الإدراك الذي بدأ يترسخ في العالم بخصوص عدم معقولية "حل الدولتين"، الذي أدت محاولات تطبيقه حتى الآن إلى موجات من الإرهاب والعنف. يجب علينا أن نوضح للعالم بأن حسم الصراع واجتثاث الأمل العربي بإقامة دولة غربي نهر الأردن، هما الطريق الوحيد لضمان وجود وازدهار دولة إسرائيل ووجود سلام وتعايش فيها.
التحدي الأكبر في هذا السياق سيكون التحدي الديمقراطي: الحاجة لإقناع العالم بأن بديل الحقوق الديمقراطية من دون حق التصويت للكنيست مرحلياً على الأقل - هو أقل البدائل المختلفة سوءاً. هذا تحد كبير لا شك، لكن بالإمكان تحقيقه خصوصاً من خلال التوضيح بأن سائر البدائل هي أسوأ: إقامة دولة إرهاب عربية تشكل خطراً على إسرائيل وتواصل السعي للقضاء عليها، أو منح حقوق التصويت ما سيضر بالأغلبية اليهودية في إسرائيل، الأمر الذي سيعرضها للخطر ثانية.
ثالثاً، سبق وقال من هم أفضل مني، إن ما يهمنا لا ما يقوله الأغيار، بل ما يفعله اليهود. نحن لا نتجاهل العالم؛ فعلينا خوض معركة دبلوماسية مهنية وذكية، وكما سبق وأسلفت أنا أؤمن بقوة الإقناع، أو بإضعاف الانتقادات كأقل ما يمكن. لكن لا يمكن السماح لأنفسنا بالتصرف وفقاً لمطالب العالم. علينا أن نتصرف وفقاً لما هو جيد وصحيح لنا، والجيد والصحيح لنا هو الحسم وإنهاء الصراع وإحلال الهدوء والسلام والأمن لدولة إسرائيل، نهائياً ومن دون رجعة. وكما قال رئيس الحكومة الراحل منام بيغن، "إذا كان هناك من يلوي أنفه في العالم، فليعش مع أنف ملتو" (الأنف الملتوي دلالة عدم الإعجاب والرضا).
2- وماذا لو كُنا على خطأ؟
بعد مرور عشرين عاماً على محاولات فاشلة من اليسار لدفع "حل الدولتين" قدماً، حان الوقت لتجريب مخطط يقوم على معتقدات ومدارك يمينية وصهيونية وإيمانية. اليسار يجرنا منذ عشرين عاماً إلى مغامرات خطرة كلفتنا حتى الآن آلاف القتلى والجرحى، في محاولة لتحقيق حلم مفند ومنقطع عن الواقع. لو واصلنا لا سمح الله السير في هذه الطريق فإننا سنضمن مواصلة وجود الصراع والثمن الدموي الباهظ الذي يُكلف الطرفين. "حل الدولتين" كان وسيظل شعاراً نجح اليسار بدراية كبيرة في تحويله إلى ماركة مسجلة ترمز للحل الواقعي وحتى الوحيد، على الرغم من أنه لم يكن كذلك قط. قد يكون مخططنا مثار شك وتساؤلات، لكن مخطط اليسار قد فشل بشكل واضح ومثبت. ما الذي يجب أن يحدث كي نذوّت أن هذا الحل غير قابل للتحقيق، وأننا نتحدث هنا عن طموحين قوميين متناقضين لا يمكنهما ببساطة أن يجتمعا سوية، وأن كل حق الوجود الخاص "بالشعب الفلسطيني" يقوم على نفي وجود دولة إسرائيل ؟!
يجب علينا أن نجرب اتجاهاً آخر يختلف جوهرياً؛ اتجاه يعترف بالواقع ولا يحاول التذاكي عليه. أنا أدعو كل القراء إلى تبني المخطط والانضمام إلى جهودي لجلب السلام إلى إسرائيل والمنطقة كلها أخيراً.
3- المعقولية السياسية
أنا أرى أن "مخطط الحسم" هو عادل وصحيح، وهو في واقع الحال البديل الوحيد الذي يتحلى بمعقولية تطبيقه على أرض الواقع. على الرغم من ذلك، ولأنه يختلف عن كل ما اعتدنا التفكير به، فإن تبنيه على مستوى الحلبة الجماهيرية لن يكون أمراً سهلاً. صحيح أن إحداث تغيير إدراكي بهذا الحجم هو تحد، إلا أنه ليس مستحيلاً بتاتاً. عندما بدأ أوري أفنيري بإدارة المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية والحديث عن دولة فلسطينية قبل نحو أربعين عاماً كان شبه وحيد. فالعلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت معرفة آنذاك كمنظمة إرهابية كانت جنحة جنائية، ورابين كان معارضاً لقيام دولة فلسطينية، وبيريس لم يكن قد تجرأ على فكرة تقسيم أورشليم. لقد احتاج أفنيري إلى أكثر من عقد لإدخال مخططه المفند إلى قلب التيار الرئيس في اليسار الإسرائيلي، وتحويله إلى المخطط الواحد والوحيد. مهمتنا نحن ستكون أسهل بكثير: فمخطط الحسم يقوم على الشعور الفطري بالإيمان بعدالة طريقنا، وعلى الحس والفخر الوطنيين الطبيعيين، وعلى حس العدالة والحق بتطبيقها، وهي أمور تميز شرائح آخذة في الاتساع داخل المجتمع الإسرائيلي. والمخطط يأتي في الوقت الصحيح: الشعور العام باليأس من فشل فكرة "الدولتين" ، كما ينعكس ذلك في غالبية استطلاعات الرأي التي أجريت في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يمكن من إعادة التفكير، وهذه هي الفتحة التي يجب على اليمين الإسرائيلي الدخول عبرها. لا من خلال تسويق الحلّ ذاته بكساء جديد، بل بطرح رؤيا تختلف عنه كلية.
أنا أومن بأن الكثير من المبادئ الأساسية الواردة في المخطط ستتغلغل إلى الخطاب العام خلال شهور قليلة، وستتحوّل إلى مرجعيات مركزية لإعادة التفكير مجدداً. نحن نتحدث عن حقائق أساسية مثل الإدراك بأن الحديث يدور عن طموحين قوميين متناقضين لا يمكن الجسر بينهما بوساطة التقسيمات الجغرافية المصطنعة على أرض الواقع، وبأن الإرهاب ينبع من الأمل لا من اليأس، وبأن الديمقراطية غير المثالية ليست فصلاً عنصرياً (أبرتهايد)، وبأن أخلاقيات أي فعل تُقاس بامتحان النتيجة، وغيرها الكثير. كل هذه الأمور ستتغلغل في الخطاب العام وفي القلوب، وستُثريها بأنماط تفكير تختلف عن القوالب الفكرية التي اعتدنا عليها في العقود الأخيرة. بوساطة هذه الحقائق الأساسية سيكون بالإمكان تبنّي هذا المخطط، أو مخططات مشابهة تستند إلى حسم الصراع وإلى الإدراك بأن التوصل إلى السلام والتعايش يُحتمان عدم إبقاء جماعة عربية ذات طموحات قوميّة في أرض إسرائيل، مهما كانت تعريفات هذه الجماعة ومهما كانت حدودها.
4- التحدي الديمغرافي
مخطط الحسم والتسويات التي ستبرم في نهايته تثير تحدياً ديمغرافياً، مع أو من دون حق التصويت للكنيست. الحقيقة أن التحدي الديمغرافي مطروح أيضاً - وربما بالأساس - أمام مريدي "حل الدولتين"؛ فالادعاء بأن "حل الدولتين" يتجاوز المشكلة الديمغرافية هو وهم، تماماً مثل الحل نفسه. الحيّز القائم بين البحر والنهر هو حيّز ديمغرافي وطوبوغرافي واحد، والعرب لن يتركوا مواقعهم، خصوصاً إذا ما شجعنا طموحاتهم وتطلعاتهم القومية. الجدار الحدودي لا يؤدي إلى اختفاء الناس، ولا إلى تلاشي عدائيتهم.
مع ذلك، أنا لا أعتبر نفسي من مريدي مدرسة الترهيب الديمغرافي. فالنزعة الديمغرافية في العقدين الأخيرين تصب في صالحنا: نسبة الولادة لدى الشعب اليهودي في ارتفاع كبير، لدى جميع الشرائح السكانية، في مقابل انخفاض نسبة الولادة لدى العرب بشكل كبير عبر جانبي الخط الأخضر. ومع الافتراض الواقعي بأن هذه النزعة ستتواصل فإننا لا نتوقع وجود أغلبية عربية في أرض إسرائيل في العقود المنظورة - بل على العكس. ومع ذلك علينا أن نساعد على حدوث ذلك. لم نتوسع في هذه المسألة هنا، لكن مخطط الحسم يجب أن يكون مصحوباً بعدد من البرامج والمخططات لتحسين ترجيح الكفة الديمغرافية. فتعزيز قوة إسرائيل وحسم الصراع سيسهلان على استيعاب الهجرة، وسيعززان من النمو الديمغرافي اليهودي إلى جانب تشجيع جزء من السكان العرب على الهجرة إلى بلدان أخرى.
تلخيص
مخطط الحسم هو المخطط الوحيد الذي يستند إلى رؤيا أرض إسرائيل الكاملة. وهو المخطط الوحيد الذي لم ييأس مما كان حتّى الآونة الأخيرة رؤيا تجمع اليمين كله، وهو لا يشتمل على تعريف كيان قومي عربي أيا كان في أرض إسرائيل. إنّه المخطط الوحيد الذي لا يستند إلى إبقاء جماعة عربية ذات طموحات وتطلعات قومية، ولذلك فهو المخطط الوحيد الذي يعتمد على حسم الصراع لا تكريسه والحفاظ عليه في درجات حدّة مختلفة. والأهم من كل ذلك: إنه المخطط الوحيد الذي يؤمن بإمكانية تحقيق حلم السلام والتعايش، ولا يستند إلى اليأس من هذا الحلم واستبداله بعملية انفصال غير ممكنة.
المصدر: بتسلئيل سموتريتش. "خطة الحسم: مفتاح السلام يكمن في اليمين" (بالعبرية) مجلة "هشيلواح"، العدد 6 (أيلول/ سبتمبر 2017). نقلاً عن: وليد حباس (تفديم) "مخطط الحسم: اليمين يملك مفتاح السلام" (ترجمة علاء حليحل). "قضايا إسرائيلية"، العدد 89 (4 أيار/ مايو 2023).