تقديم

تقديم

عن أمكنة - كي لا ننسى

"إلى الذين شُرّدوا من قراهم، فهاموا في الأرض… وإلى ذرياتهم جميعاً كي لا ينسوا"

من كتاب "كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها"

 

يقدّم قسم أمكنة الصيغة الرقمية لكامل محتويات "كي لا ننسى"، وهو الكتاب المرجعي الذي يوثّق القرى التي دمّرتها إسرائيل خلال النكبة. استغرق العمل على إعداد هذا الكتاب الموثوق، الذي نشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية سنة 1992، نحو ست سنوات، وشارك فيه نحو ثلاثين باحثاً ميدانياً، ومختصّاً، وقام بتحريره المؤرّخ وليد الخالدي.

امتدت عملية رقمنة محتويات الكتاب على مدى ثلاث سنوات تقريباً، وجرى تنفيذها داخلياً بأكملها، مع الالتزام بمبدأين أساسيين: الإخلاص قدر المستطاع لمحتوى العمل الأصلي وهيكله، والاستخدام الكامل للإمكانات التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات لدمج كي لا ننسى بكل سلاسة في الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية.

عملياً، تطلب العمل ما يلي: إعادة ترتيب المحتوى المطبوع بشكل يتلاءم مع الوسيلة الرقمية ويستثمر كل إمكاناتها؛ إدراج معلومات وبيانات ذات صلة لم يتضمّنها الكتاب الأصلي لاعتبارات تتعلّق بالمساحة المتاحة؛ إعادة طباعة مئات الآلاف من الكلمات الإنكليزية والعربية؛ مسح مئات الصور الأصلية ضوئياً بدقة عالية؛ إنشاء نظام للمعلومات الجغرافية يسمح للمستخدمين باستكشاف القرى المدمّرة والوصول إلى المعلومات المتعلقة بها بكل يسر. وأُضيف إلى هذا النظام العديد من الخرائط، الممسوحة ضوئياً بدقة عالية، والتي يعود تاريخها إلى أربعينيات القرن العشرين، بحيث يمكن تحميلها فوق الخرائط الأساسية بشكل متراكب، الأمر الذي يسمح بتقديم لمحة عن الجغرافيا السياسية والاجتماعية لفلسطين خلال فترة النكبة المصيرية. وأخيراً، تم بناء واجهة أمامية مبتكَرة تتيح تصفّحاً وغوصاً سلساً في محتويات الكتاب الغنية.

تُعرض نتيجة هذا الجهد، ولأول مرة، على هذه المنصة المفتتَحة حديثاً. ومع إتمام المرحلة الأولى من أمكنة، سيضاف إليها قريباً محتوى خاص بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي أقيمت في أعقاب النكبة.

"لقد أُقيمت القرى اليهودية مكان القرى العربية. أنتم لا تعرفون حتى أسماء هذه القرى العربية وأنا لا ألومكم، لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة. وليست كتب الجغرافيا هي وحدها التي لم تعد موجودة، بل القرى العربية نفسها زالت أيضاً. فقد قامت نهلال في موضع معلول، وكيبوتس غفات في موضع جباتا، وكيبوتس ساريد في موضع خنيفس، وكفار يهوشوَع في موضع تل الشومان. وما من موضع بُني في هذا البلد إلاّ وكان فيه أصلاً سكان عرب."

موشيه دايان، من كلمة ألقاها في التخنيون (معهد التكنولوجيا الإسرائيلي) في حيفا (كما أوردتها صحيفة "هآرتس"، 4 نيسان/أبريل 1969).

 

لا جدال في أن عملية الاستعمار الصهيوني لفلسطين التي بدأت في أوائل الثمانينات من القرن التاسع عشر، وما زالت مستمرة حتى اليوم، إنما هي من أكثر المشاريع الاستعمارية لفتاً للنظر على مدى العصور، فضلاً عن كونها أنجح هذه المشاريع في القرن العشرين.

ففي غضون عُمْر من الزمن، جرى ما يشبه الانقلاب الشامل في الأوضاع السكانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، التي كانت قائمة في فلسطين عند بداية هذا القرن.

وقد نشأ في أثناء هذه العملية تطوران خَطِران متعاكسا الاتجاه: فمن جهة، كان هناك تكاثف الوجود والتوسع اليهوديين بتوافد المهاجرين، المشفوع بتعزيز السيطرة اليهودية المتنامية على موارد فلسطين الطبيعية. وقابله، من جهة أُخرى، تهميشٌ وتشتيت وإضعاف وعزل للسكان الفلسطينيين الأصليين، الذين كانوا يشكلون أكثرية السكان حتى سنة 1948.

وأقرب ما يقارب هاتين الظاهرتين من النظائر التاريخية التي تخطر في بال، اعتداء المستوطنين الأوروبيين في أميركا الشمالية على الأميركيين الأصليين، واعتداء المستوطنين البريطانيي الأصل على سكان أوستراليا ونيوزيلندا الأصليين.

لكنْ ثمة فوارق ظاهرة أيضاً: (1) ففي فلسطين جرت عملية تهجير السكان الأصليين وحلول المستوطنين مكانهم في مدة لا تتجاوز بضعة عقود من السنين، بينما تمادت طوال قرنين أو ثلاثة قرون من الزمن في الحالين الأُخريين؛ (2) وقد جرت هذه العملية في بلد غاية في الصغر وكثيف السكان نسبياً، لا مجال فيه لرؤية تلك الفيافي الشاسعة الصارخة المستدعية للاستكشاف والاستغلال الغربيين؛ (3) والظاهرة الفلسطينية تطورت عقب بلوغ الاستعمار الأوروبي الكلاسي لدول آسيا وإفريقيا أوجه، وعقب اعتناق الديمقراطيات الغربية (اللفظي على الأقل) لمبدأ تقرير المصير الوطني للأمم كافة. كما أنها صاحبت، في مفارقة تاريخية، زوال الأنظمة الاستعمارية في المستعمرات السابقة، وامتدت عبر حربين عالميتين تم خوض غمارهما، زعماً، من أجل القيم الجوهرية للحضارة الغربية؛ (4) ثم إن استعمار وطن الفلسطينيين حدث في عصر الاتصالات الحديثة، ولا يزال مستمراً بكامل قوته تحت أضواء وسائل الاتصال الإلكترونية، وإنْ تفاوت تسليطها عليه.

وهذا كتاب عن مصير القرى الفلسطينية الـ 418 التي دُمِّرت وهُجِّر سكانها في حرب 1948؛ وهي الذروة المحتومة التي لا رادّ لها والتي عقبت الاستعمار الصهيوني الذي تقدّمها، والمَعْلَمُ البارز في تاريخ الشعب الفلسطيني؛ ذلك المَعْلَم الذي اتسمت به بداية نزوح الفلسطينيين وتشتت شملهم. وما كان ضياع هذه القرى إلاّ بعض الحطام الذي خَلّفه على التراب الفلسطيني تقدم الصهيونية. أمّا البعض الآخر، فكان سقوط أكثر من عشر مدن فلسطينية – منها مدن كانت آهلة بالفلسطينيين حصراً (عكا، بئر السبع، بيسان، اللد، المجدل، الناصرة، الرملة)، ومنها مدن كان الفلسطينيون يشكلون أكثرية سكانها (صفد)، أو يمثلون نسبة كبيرة من سكانها (طبرية، حيفا، القدس الغربية) فضلاً عن يافا – المرفأ البحري القديم – التي كانوا يشكلون الأكثرية العظمى من سكانها، والتي كانوا رواد زراعة البرتقال في ريفها، حتى اشتهر ثمره باليافاوي. وقد أُخليت هذه المدن والبلدات، مع استثناءات قليلة أهمها الناصرة، من سكانها الفلسطينيين. وانتقلت أموالهم غير المنقولة – المراكز التجارية، الأحياء السكنية، المدارس، المصارف، المستشفيات، العيادات، المساجد، الكنائس وغيرها من المباني العامة والحدائق والمرافق – جملة واحدة إلى حيازة مواطني دولة إسرائيل الناشئة. كما استولى الإسرائيليون على ما سَلِم من الأموال المنقولة، مثل: الأثاث، الأواني الفضية، الصور، السجاد، المكتبات، وسواها من المتاع التليد، وسائر ممتلكات الطبقة الوسطى من سكان تلك المدن الفلسطينيين.

إن هذه المدن والبلدات مهما يكن فقدانها فادحاً ولا عوض منه، فإن مصيرها ليس مما يتطرق هذا الكتاب إليه، إلاّ عَرَضاً ولماماً. بل إنه يركز، بدلاً من ذلك، على مصير الريف الفلسطيني. وقرار التركيز على القرى الـ 418 التي دُمِّرت وهُجِّر سكانها في حرب 1948، قرار إرادي؛ ذلك بأن مصير المدن والبلدات الفلسطينية، أو كبراها على الأقل، أمر التفت العالم الخارجي إليه، وإنْ على نحو رتيب تعوزه الحماسة. ولا تزال مباني ما قبل الشتات الفلسطيني قائمة، ماثلة للعيان في كثير من هذه المدن والبلدات – من ذلك المنازل الرائعة في الأحياء السكنية في حيفا ويافا والقدس الغربية – كما لا تزال أسماء تلك المدن تزيِّن، وإنْ بصورتها العبرية، خرائط إسرائيل الحديثة.

ولا يمكن أن يقال الشيء نفسه في القرى؛ فقد ظلّت بلا أسماء في نظر العالم الخارجي، وكأنها لم تكن قط. ولم يبق منها، على الرغم من تهجير سكانها، إلاّ بضع عشرة قرية سَلِمت أو أُصيبت بأضرار طفيفة. أمّا ما سوى هذه فقد دُمِّر تدميراً تاماً أو أنه في حكم المدمَّر عملياً؛ إذ مُحي في الواقع من على وجه الأرض. فمواضع المنازل والمقابر المدمَّرة، ومثلها مواضع البساتين والبيادر والآبار وحظائر المواشي والمراعي، قُسِّمت ووُزِّعت على المستعمرات اليهودية التي كانت تجاورها، أو تشاطرتها المستعمرات الجديدة التي أُنشئت لاحقاً على ما كان سابقاً من أراضي تلك القرى. وحَلَّت الأسماء العبرية التي سُمِّيت هذه المستعمرات بها محل الأسماء العربية التي كانت لتلك القرى التي زالت، وربما استُبْقي في هذه الأسماء الحديثة صدى خافت أو ساخر من أصداء الاسم العربي. أمّا ورثة هذه القرى وميراثها، فقد جاؤوا من كل الحركات الصهيونية الإسرائيلية الكبرى: الجماعية، أو التعاونية، أو الزراعية ذات الملكيات الصغيرة (كيبوتسيم وموشافيم). وتنتسب هذه الحركات إلى أحزاب إسرائيلية تنتشر على ألوان الطيف السياسي كافة، من أكثرها ليبرالية إلى أكثرها تشدداً، مع بقاء حصة الأسد لأولئك الأقرب إلى الأولى.

وقد بقي نحو 100 قرية فلسطينية داخل المناطق التي استولت إسرائيل عليها في حرب 1948 من دون تدمير أو تهجير سكان؛ وهي لا تزال قائمة حتى اليوم داخل حدود إسرائيل ما قبل 1967. لكنْ ربما لاحظ المرء أن أكثر من 80% من أراضي أولئك المواطنين الفلسطينيين/الإسرائيليين، الذين لم يغادروا منازلهم قط، صودر منذ سنة 1948، ووُضع في تصرف مواطني إسرائيل من اليهود حصراً. ومع ذلك، فإن القرى الـ 418 التي عليها مدار هذا الكتاب، كانت تشكل قرابة نصف عدد القرى الفلسطينية التي كانت قائمة داخل حدود فلسطين الانتدابية عشية التوصية التي اتخذتها الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين. وقد تفرّق من هذه القرى نحو 390,000 لاجئ ريفي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، أو تدفقوا براً مجتازين الحدود أو راكبين البحر إلى الدول العربية المجاورة. وشكل لاجئو الريف هؤلاء أكثر من نصف اللاجئين الذين شردتهم حرب 1948؛ أمّا الباقي فهو من لاجئي المدن والبلدات التي أتينا للتو إلى ذكرها (254,000 تقريباً)، فضلاً عن نحو 70,000-100,000 بدوي شبه متوطن. وقد بلغ مجموع اللاجئين جرّاء الحرب، من الريف ومن المدن، 54% من مجموع سكان فلسطين العرب أيام الانتداب. كما بلغت مساحة أراضي القرى الفلسطينية التي تم تقاسمها سريعاً بين المستعمرات اليهودية، قديمها وحديثها، ستة ملايين دونم تقريباً، أي نحو أربعة أضعاف إجمالي مساحة الأراضي الفلسطينية التي اشترتها الحركة الصهيونية في عقود الاستيطان السبعة التي سبقت قيام إسرائيل.

إن هذه الأرقام تبيّن مدى الكارثة التي حلّت بسكان الريف الفلسطيني، الواقع داخل الحدود التي أنشأتها إسرائيل في سنة 1948. ولقد عانت شعوب أُخرى مصائر أسوأ من هذه عبر التاريخ. ولا شك في أن المعاناة جرّاء اغتصاب التراث التليد والإفقار والتشريد، حتى على هذا النطاق الواسع، أخف وطأة من الإبادة الجماعية، علماً بأن ما لا يقل عن 13,000 فلسطيني لقوا حتفهم في هذه العملية. لكن ربما ما يتفرد به مصير الفلسطينيين، قياساً بما حل بغيرهم من الشعوب المضطهدة، أنه على الرغم من كونهم ضحية اقتلاع كشعب بأسره من وطنه فإن الغرب لا يزال إلى يومنا هذا يكيل لهم، لا لمن جنى عليهم، ما شاء من أوصاف العنف والإرهاب والاعتداء. وفي الوقت نفسه، فإن انتصار الجماعة اليهودية العالمية التنظيم والتمويل، ونجاحها في تجريد سكان الريف الفلسطيني، فلاحين ومزارعين، من ممتلكاتهم وأراضيهم، فضلاً عن تجريد إخوانهم سكان المدن والبلدات الفلسطينية؛ إن هذا الانتصار، مع تَسبُّبِه بشيء من وخز الضمير في الغرب بين الحين والحين، إنما يلقى التهليل من النخب السياسية الغربية (إنْ لم يلقه دائماً من الرأي العام الغربي) باعتباره انتصاراً لجوهر المبادئ الديمقراطية التي ما كان للحركة الصهيونية أن تنجح أصلاً لو لم تنتهكه.

مهما يكن الأمر، فإن الأحياء من مهاجري سنة 1948 الريفيين، ومعهم ذريّاتهم المتحدرة منهم، لا يزالون – في أكثريتهم – يعيشون في مخيمات اللاجئين في الأراضي المحتلة وفي الدول العربية المجاورة. وقد استمدت منظمة التحرير الفلسطينية من صفوف هؤلاء، منذ أواسط الستينات، معظم قوتها؛ ونبتت بذور الانتفاضة من يأسهم.

كانت أكثرية هذه القرى الـ 418 تشبه واحدتها الأُخرى، على ما سيجده القارئ في الصفحات التالية، سواء من حيث مواردها المحدودة، أو من حيث اعتمادها الأساسي على الزراعة وعلى نمط مختلط من ملكية الأرض، قوامه ملكيات صغيرة وأراض مشاع يتناوب سكان القرية استغلالها. لكنْ كان ثمة فوارق كبيرة في عدد السكان والثروة، وفي الغلال وغيرها من المنتوجات الزراعية؛ فوارق تتعلق بتربة القرية، وطبيعة أرضها، ومواردها المائية، والمسافة التي تفصلها عن مركز القضاء. وقد أبدى معظم القرى نزوعاً إلى الترقي، ونمطاً من النمو والتطور، ولا سيما في مجال التربية والتعليم. ويلاحَظ في الكثير منها بدايات التنوع الاقتصادي (قطاع الخدمات مثلاً)، والانتماء إلى مشاريع تسويق على النمط التعاوني البدائي. وكان لكل قرية مسجدها أو كنيستها، مع أن السكان كانوا – في سوادهم الأعظم – من المسلمين. ولعل أبرز ما كان يميز كل قرية مقاماتها المسماة بأسماء أولياء محليين أو محسنين، انطبعت شهرتهم في الذاكرة الجماعية لسكان تلك القرى أنفسهم، وفي تقاليدهم.

كثير من هذه القرى لا ذكر له في التاريخ، لكنّ قرى كثيرة أُخرى شهدت معارك كبرى، أو مرّت بها جيوش عظيمة أو زارها أحد الخلفاء أو السلاطين وسخا عليها ببعض المباني أو المنشآت. كما برز من بعضها الآخر نفر من أهل العلم، أو أرباب الحكم، أو أصحاب الطرق من المتصوفة. وزار عدداً غير قليل منها، خلال العصور الوسطى وما بعدها، رحالةٌ من البلاد العربية القريبة أو من البلاد الإسلامية القصيّة، في طريقهم إلى القدس أو دمشق أو القاهرة. وترك بعضهم لنا انطباعات عن تلك الرحلات باللغة العربية أو التركية أو الفارسية. ويفصّل سجل ضرائب عثماني دُوِّن في أواخر القرن السادس عشر، المنتوجات الخاضعة للضريبة في 145 قرية من القرى الـ 418. ويتبيّن من هذا، ومن غيره من القرائن المكتوبة، أن هذه القرى كانت في معظمها قائمة، ومعروفة بأسمائها العربية أو المعرَّبة منذ قرون عدة قبل سنة 1948. كما تشهد البقايا الأثرية على أن هذه المواضع استمرت آهلة منذ أقدم العصور.

وهكذا، فإن اغتصاب ممتلكات سكان القرى الفلسطينية في سنة 1948 لم ينزل بسكان عابرين أو رُحَّل، وإنما بمجتمع زراعي أصيل عميق الجذور كأي مجتمع آخر في حوض البحر الأبيض المتوسط، أو حتى في أي مكان آخر. وإنّ سكان هذه القرى، وإنْ كانوا ينتمون إلى العصر ما قبل الصناعي، فهم يصدرون عن حضارة أثرت التراث الإنساني بمساهماتها في حقول الدين والأدب والفلسفة والمعمار والعلوم. ولم يكونوا أوهى جذوراً في تراثهم ومجتمعاتهم عن أي شعب آخر في أي مكان آخر. لذلك يجب ألاّ يكون من الصعب على المرء أن يتخيّل عمق ومدى الأذى الذي أصاب الأجيال التي اقتُلعت في حرب 1948، ولا أن يفهم لِمَ أورثوا ذريّاتهم في مجتمعات الشتات هذا الشعور.

إن "كي لا ننسى"، إذ يستنقذ (وإنْ على الورق) هذه القرى الـ 418 مما حُكم عليها به من نسيان، إنما هو اعتبار لمعاناة مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال؛ إنه لفتة إجلال لذاكرتهم الجماعية، ولشعورهم بالانتماء العريق؛ إنه تقدير لكرامتهم ككائنات بشرية من لحم ودم، ولحقّهم في الاعتزاز بالنفس اعتزازاً راسخ الجذور في هويتهم وتراثهم التليد.

وهذا الكتاب، وإنْ غلب لون الاستذكار عليه فهو لا يدعو إلى عكس مجرى التاريخ. بل إنه دعوة، إذ نقف على عتبة القرن الثاني من الصراع العربي – الصهيوني، إلى وقفة تأمل يستبطن فيها مهندسو الصهيونية المعاصرة والمتعاطفون معها نفوسهم. وهو بمثابة دعوة إلى وضع حد للمسلسل السببي الذي أدى، منذ بدء الاستعمار الصهيوني، إلى أبعاد مأساة الشعب الفلسطيني كما يعرفها العالم اليوم.

إن هذه الدعوة لتغدو اليوم أشد إلحاحاً مع احتشاد قوى الأصولية الدينية على جانبي خط الصراع العربي – الصهيوني.  وفي حال عدم وجود قدر معقول من الإنصاف للشعب الفلسطيني، فإن من شأن هذه المواجهة أن تفشو وتمتد إلى القرن المقبل فتفسد أجيال لم تولد بعد، سواء داخل حدود دولة إسرائيل أو خارجها. بهذه الروحية أُعد هذا الكتاب ليكون تذكرة بأنه في الكثير من مساعي البشر يصاحب البناءَ من أجل الذات الوبالُ على الغير. وحري بالباني المتهلّل أن يأخذ حسبانه، من باب الحصافة على الأقل، شأو الصرح الذي ابتناه، ومبلغ ما خلَّف في إثره من حطام.

وإنْ نجح هذا الكتاب في أن يلفت، بعد هذا، أنظار العالم الخارجي وأنظار الصهيونيين وأنصارهم إلى الثمن الذي دفعه الفلسطينيون من أجل أن يتم إنشاء إسرائيل، ومن أجل أن تغسل المسيحية الغربية وجدانها من جرائم عدائها لليهود، فقد يكون له وجه اليوم في البحث عن حل سلمي مشرف لهذا الصراع المستعر منذ مئة عام.

وليد الخالدي

في إثر حرب 1948 التي استجرّت قيام دولة إسرائيل، شُرِّد نحو ثلاثة أرباع مليون لاجئ فلسطيني – أكثر من نصفهم سكان قرى – وساروا على طرق المنفى.[1] ومع أن أحوال هؤلاء اللاجئين لم تزل موضوع قرارات الأمم المتحدة المتلاحقة وموضوع الكثير من الكتب، فإنه لم يكد يُصرف إلاّ القليل من الاهتمام لما أصاب العالم الذي كان يعيش هؤلاء الناس فيه من دمار مادي وبوار.

وبنهاية الحرب كانت المئات من القرى خراباً يباباً؛ إذ لم تقفر من سكانها فحسب، بل أيضاً نُسِفَت منازلها أو جُرفَت وسُوِّيت بالأرض. ومع أن كثيراً من مواقع تلك القرى بات عسير البلوغ، فإن في وسع المسافر على الطرق الإسرائيلية حتى اليوم أن يبصر، متى أنعم النظر، آثاراً تنبئ بحضورها وإنْ كانت مما يفوت عابر السبيل: رقعة مسيَّجة، على ذروة تل خفيف الانحدار، يشرد فيها – في أسوأ حال – شجر الزيتون وسواه من الأشجار المثمرة التائهة؛ ورقعة أُخرى من سياجات الصبّار الهائج والنباتات الأهلية المستوحشة؛ ثم بين الفينة والفينة، ينهض إلى ناظريه بعض المنازل المتداعية، أو مسجد مهمل، أو كنيسة مهجورة. ويلي ذلك حيطان منهارة على شبح درب متروك، أو زقاق من أزقة قرية كانت. لكن ما بقي لا يعدو، في معظم الأحوال، شيئاً من الحجارة الفالتة في شيء من الأنقاض المبعثرة على خدّ أرض بائرة منسية. وما هذا الكتاب إلاّ محاولة لرسم ذلك العالم الذي مضى.

***

ومع أن أي عمل لم يُنْذَر حتى اليوم لتلك القرى البائدة حصراً، فقد ركَّز بعض الباحثين والمؤلفين انتباهه على تلك القرى في سياق دراسات أوسع نطاقاً. فبعد مدة غير مديدة من نهاية حرب 1948 أعدّ المؤرخ الفلسطيني عارف العارف، مستنداً إلى مقابلات أجراها مع سكان القرى ومع رجال الشرطة وسواهم من المسؤولين، قائمة بكل القرى التي احتُلَّت وهُجِّر سكانها في أثناء المعارك، وأَلحق هذه القائمة بمؤلَّف ضخم عن حرب 1948 وضعه في ستة أجزاء، سمّاه "النكبة" (1956-1960). وفي ذلك الحين، كان المؤرخ مصطفى الدباغ يمضي في تصنيف كتابه في جغرافية فلسطين التاريخية، المؤلَّف من أحد عشر جزءاً، والمعنون "بلادنا فلسطين" (1972-1986)؛ وهو موسوعة من المعلومات الجغرافية والتاريخية والثقافية، مع ما يلحقها من سِيَر الأعلام في كل منطقة من فلسطين، وفي جملة ذلك وصف للقرى التي دُمِّرت وتلك التي سَلِمت. كما أن "الموسوعة الفلسطينية" )1984) تستند استناداً كبيراً إلى عمل الدباغ في تعريف مداخلها الخاصة بقرى فلسطين.[2]

منذ فترة أحدث عهداً، وفي عمل متقن يتناول موضوع تجريد فلسطين من عروبتها، نشر الجغرافي الفلسطيني الراحل بشير نجم، في سنة 1984، بالتعاون مع المهندس بشارة معمَّر، جداول وافية تتناول إحصاءات الأنفس والأراضي (1945 و1976)، فضلاً عن خرائط مفصّلة تبيّن حدود أراضي القرى العربية والمستعمرات اليهودية داخل حدود إسرائيل ما قبل 1967، كما تبيّن القرى العربية التي دُمِّرت. وفي سنة 1987، نشر عبد الجواد صالح مدير مركز القدس للدراسات الإنمائية في عمان، ووليد مصطفى رئيس دائرة الجغرافيا في جامعة النجاح في نابلس، كتيباً عن التدمير الجماعي للقرى الفلسطينية، وفيه قوائم مفصّلة للقرى المدمَّرة في كل قضاء. أخيراً، يقدم المؤرخ الإسرائيلي بِني موريس، في كتابه (1989) المهم عن نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، قائمة بأسماء القرى والبلدات التي احتُلَّت.

بالإضافة إلى هذه الأعمال الكبرى، فقد وضع نفر من الباحثين قوائم بأسماء القرى المدمَّرة: من ذلك أن يسرائيل شاحك، رئيس الرابطة الإسرائيلية لحقوق الإنسان، نشر في سنة 1973 صيغة معدَّلة بعض الشيء لقائمة عارف العارف.[3] كما صنَّف الجغرافي الفلسطيني كمال عبد الفتاح، في سنة 1986، قائمة أُخرى إعداداً لسلسلة جامعة بيرزيت الطموحة، الخاصة بكل قرية من القرى المدمَّرة. وأعدّ كريستوف أولينغر (Christoph Uehlinger) (1987)، من جمعية إعادة إعمار عمواس (Association for the Reconstruction of Emmaus) السويسرية، قائمة تستند إلى قائمة العارف/شاحك، وإلى قائمة تمهيدية لكمال عبد الفتاح (1983)، وقابلها بالخرائط الإسرائيلية. والسلطات الإسرائيلية، وإنْ لم تُصدر أية قائمة بالقرى المدمَّرة بما هي كذلك، فقد أعادت في الخمسينات نشر خرائط طوبوغرافية (كانت سلطة الانتداب البريطانية وضعتها أصلاً)، وأشارت إلى أسماء الأماكن بالعبرية، ودمغت كلمة "هروس" (بالعبرية – وتعني "مدمَّرة") فوق القرة المدمَّرة. لكن، باستثناء كتاب الدباغ "بلادنا فلسطين" (و"الموسوعة الفلسطينية")، فإن أية من هذه الدراسات لا تعبِّر عن القرية المدمَّرة بأكثر من اسم وبضعة إحصاءات – مجرد عنصر مفرد في نمط عام من الدمار. يضاف إلى ذلك أن محاولات إحصاء القرى المدمَّرة تبيِّن أن عدد هذه القرى يتراوح بين 290 و472 قرية.[4]

***

لقد شرعنا في إعداد "كي لا ننسى" وفي الذهن هدفان: الأول هو التوصل إلى قائمة بالقرى المدمَّرة أقرب ما تكون إلى النهائية، وذلك على أساس من منهجية ومعايير واضحة محدَّدة؛ والثاني هو التعريف القرى التي ما زالت في نكبة 1948، كغاية في حد ذاتها.

والكتاب مشروع تعاوني بين ثلاث مؤسسات: مؤسسة الدراسات الفلسطينية في واشنطن، وجامعة بيرزيت في الضفة الغربية، ومركز الجليل للأبحاث الاجتماعية في الناصرة داخل إسرائيل. فبعد الشروع في العمل سنة 1986، اكتشفت مؤسسة الدراسات الفلسطينية أن جامعة بيرزيت كانت منخرطة، من خلال مركز الوثائق والأبحاث فيها، في مشروع خاص بالقرى المدمَّرة. ويهدف مشروع بيرزيت، وهو أكثر طموحاً من عملنا هذا، إلى إعداد دراسات مستقلة لكل قرية من تلك القرى، وذلك استناداً إلى التاريخ الشفوي والمصادر الأرشيفية؛ وتحتوي كل دراسة على معطيات خاصة بالفولكلور والعادات الاجتماعية والمعمار وبنية علاقات النَسَب.[5]

وبينما تمضي الجامعة في عملها الخاص – الذي يتوقع له أن يدون أكثر من عشرة أعوام في سباق مع الزمن لجمع الشهادات من سكان القرى قبل وفاتهم – فقد قبلت، لحسن الحظ، أن تتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية فيما يتعلق بالمشروع الحالي، وأن تتولى أمر البحث الميداني والتصوير الفوتوغرافي. وتود مؤسسة الدراسات الفلسطينية أن تعرب عن امتنانها الخاص لحنا ناصر رئيس جامعة بيرزيت المنفي (سابقاً)، ولغابي برامكي نائب رئيس الجامعة (سابقاً)، لموافقتهما على مؤازرة المؤسسة. وفي وقت لاحق، انخرط مركز الجليل للأبحاث الاجتماعية في المشروع أيضاً، فمدّنا بكثير من المعطيات الإحصائية وبخرائط الأقضية والقرى كلها، وأعد بالتشاور مع جامعة بيرزيت ومؤسسة الدراسات الفلسطينية القائمة النهائية للقرى المدمَّرة. كما قام مركز الجليل بالبحث الميداني لنحو ثلث عدد القرى التي تناولها المسح. أمّا مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فإنها – فضلاً عن تصورها للمشروع وتصميمه وتمويله – نسّقت أوجهه كلها، وجمعت المواد من المصادر على تنوعها، وتولّت توثيق النصوص وكتابتها. كما يجب التنويه بمركز يافا للأبحاث في الناصرة الذي قام، في مراحل المشروع الأولى، بمسح تمهيدي لقضاء القدس، وخرج منه بصور فوتوغرافية ممتازة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الغرض من هذا العمل ليس وضع تاريخ أصيل أو شامل للقرى المهجَّر سكانها، إذ إنه يعتمد في جوانبه التاريخية على مواد منشورة سابقاً، أيّاً كان تفاوتها وأية كانت صعوبة الوصول إليها في بعض الأحيان؛ وليس من غرضه أن يكون تاريخاً عسكرياً وافياً يروي سقوط هذه القرى؛ ولا من مطامحه أن يكون تاريخاً عاماً لحرب 1948، نظراً إلى تركيزه على تهجير سكان الأرياف بالذات وحصراً، ومن دون أي مسعى لسبك المادة المتحصلة في رواية شاملة؛ ولا هو، أخيراً، بالمسح الجغرافي أو الأثري أو الثقافي للمشهد الذي كانت تلك القرى تقوم فيه، ذلك بأن الوقت والموارد المتاحة لم يسمحا بالأبحاث المعمَّقة التي من شأنها، ومن شأنها فحسب، أن تفي بذلك الغرض.

بل إن "كي لا ننسى" يجمع في شكل ميسَّر ما يمكن اعتباره لقطة فوتوغرافية لكل من القرى قبل تدميرها في سنة 1948؛ لقطة تشتمل على مواد إحصائية وطوبوغرافية وتاريخية ومعمارية وأثرية واقتصادية، فضلاً عن ظروف احتلال القرية وتهجير سكانها ووصف ما بقي منها. وما ينفرد هذا الكتاب به عن سواه من الدراسات الأُخرى، إنما هو اعتماده الكثيف على الدراسات الميدانية، إضافة إلى الشكل والصيغة المعتمدين فيه. والحق أن البحث الميداني يقع في موقع القلب من هذا الكتاب، سواء أكان لجهة تحقيق أَضْبَط قائمة ممكنة للقرى المدمَّرة، المهجَّر سكانها، أم لجهة التدوين الدقيق لحال كل من هذه القرى اليوم، بما في ذلك المستعمرات والمنشآت الإسرائيلية على أراضي كل منها.

وهذا الكتاب في جوهره، إذاً، معجم يعرض القرى المدمَّرة كلاً بمفردها، لكن ضمن إطار منطقتها وسياق الحوادث التي ذهبت بها. وهو محاولة لنفخ نسمة من الحياة في هامة اسم باقٍ، ورسم جسدٍ على قدِّ أرقام ونسب إحصائية، واسترجاع لمحة مما كان يميز تلك القرى الدارسة. وجملة القول فيه: إن المراد منه هو أن يكون لوناً من ألوان الرُجْعى والاستذكار.

 

 

[1] أنظر الملحق "العدد الإجمالي للاجئين من المدن والريف".

[2] يأتي كتابا التاريخ الإسرائيليان الرسميان لحرب 1948، "سيفر تولدوت ههاغاناه" (تاريخ الهاغاناه) و"تولدوت ميلحيمت هكوميميوت" (تاريخ حرب الاستقلال)، إلى ذكر عدد من القرى (152) التي احتُلَّت وهُجِّر سكانها، لكن على نحو عابر وفي سياق العمليات العسكرية التي يصفانها، من دون أي مسعى لحصرها.

[3] استند شاحك إلى قائمة عارف العارف المشتملة على 399 قرية محتلة، وحذف منها تلك التي لم تدمَّر، مخفضاً العدد إلى 383 قرية.

[4] العدد 290 مأخوذ من الخرائط الطوبوغرافية الإسرائيلية كما يشير كريستوف أولينغر إليها. ويورد أولينغر قائمة فيها 372 قرية مدمَّرة. أمّا بِني موريس فيذكر 369، وشاحك 383، وعبد الفتاح 390، و"الموسوعة الفلسطينية" 391، ونجم ومعمَّر 443، وصالح مصطفى 472. أنظر الملحق الرابع من أجل مقارنة مفصلة بين هذه المصادر على اختلافها.

[5] صدر عن جامعة بير زيت، حتى هذا التاريخ، ثلاث عشرة دراسة. وقد استعنا بأربع منها – سلمة (يافا)، عنّابة (الرملة)، عين حوض (حيفا)، اللجّون (جنين) – في متن الكتاب. أمّا التسع الأُخرى فهي: أبو كشك (يافا)، دير ياسين (القدس)، الفالوجة (غزة)، كفر برعم (صفد)، كفر سابا (طولكرم)، كوفخة (غزة)، لفتا (القدس) المجدل (غزة)، مسكة (طولكرم).

المحرر

وليد الخالدي

 

المحررون المشاركون من مؤسسة الدراسات الفلسطينية في واشنطن

ويليام يونغ

لِندا بتلر

 

مستشار المشروع، مركز الجليل للأبحاث الاجتماعية في الناصرة

غازي فلاح

 

المحررون المشاركون من جامعة بيرزيت في الضفة الغربية

شريف كناعنة

كمال عبد الفتاح

ألبرت غلوك

 

الأبحاث والنص

شريف الموسى

محمد علي الخالدي

 

الإحصاءات

غازي فلاح

كمال عبد الفتاح

شريف كناعنة

أوليفيا ستيوارت

 

الأبحاث الميدانية

كمال عبد الفتاح

شريف كناعنة

غازي فلاح

 

التعليقات على الصور

شريف كناعنة

كمال عبد الفتاح

غازي فلاح

أوليفيا ستيوارت

بريت غادسدن

مارك مكلر

 

الترجمات

أسعد أبو خليل

عماد الحاج

إبراهيم علي

لما الدجاني

 

تصميم الكتاب

فيليس مكينتاير

ويليام سي. يونغ

 

الخلفية التاريخية

شريف س. الموسى

 

ساعد في التحرير

أيدا عودة

مارك مكلر

تشارلز يو. زنزي

مايكل ديفر

بريت غادسدن

 

اختيار الصور

شريف س. موسى

أوليفيا ستيوارت

مارك مكلر

بريت غادسدن

 

فريق البحث الميداني

بسام الكعبي

عثمان شركس

رشاد المدني

كميل الشامي

عبد الرحيم ب. المدوَّر

 

تصميم الغلاف

فيليس مكينتاير

كلير إيزلي

 

العمليات العسكرية

محمد علي الخالدي

 

التصوير

غارو نلبنديان

رافي صافية

حسن هواري

خالد خاطب

 

الخرائط

غازي فلاح

محمد علي الخالدي

أوليفيا ستيوارت

أليس ثيدي

 

ساعد في الأبحاث

أوليفيا ستيوارت

مايكل ديفر

عماد الحاج

ويل بيكرينغ

نوربرت شولتز

بلال الأمين 

ثابت عبد الله