جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
اليابان والقضية الفلسطينية
سياسة لا تزال تابعة للولايات المتحدة

بينما كانت فلسطين غارقة في أتون الحرب وسكانها العرب الأصليون يتعرضون للتهجير القسري، كانت اليابان ترزح تحت احتلال قوات الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة. فبعد قصف هيروشيما في 6 آب/ أغسطس 1945 وناغازاكي بعد ثلاثة أيام، استسلمت اليابان دون قيد أو شرط في 15 آب، وبدأت مرحلة التحوُّل من دولة إمبريالية إلى أمة مسالمة، عبر تبني إصلاحات اجتماعية جذرية تشمل تفكيك الجيش والتكتلات الاقتصادية الكبرى. في ظل هذه الأوضاع، لم تتخذ الحكومة اليابانية موقفاً من القضية الفلسطينية، ولا سيما من النكبة. لكن وعلى نحو استثنائي، صدرت عن بعض أفراد الأقلية المسيحية في اليابان مواقف رأت في الاستيطان اليهودي في فلسطين تطوراً إيجابياً، متجاهلين في الوقت ذاته احتقار المستوطنين اليهود لسكان البلاد العرب، وهو احتقار يشبه ذلك الذي تعاملت به اليابان مع الشعوب الأصلية في الصين وتايوان وكوريا.

في كانون الثاني/ يناير 1952، قبل ثلاثة أشهر فقط من استعادة اليابان سيادتها، وجَّه مكتب الأمم المتحدة رسالة إلى الحكومة اليابانية يطلب فيها مساهمات مالية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، لكن الحكومة اليابانية قررت عدم الرد على الطلب بحجة أن فلسطين بعيدة، ولا تربطها بسكانها أي علاقة، وأن اليابان لا تملك القدرة على تقديم المساعدات. وهو قرار يمكن أن يُعزى كذلك إلى العدد القليل من الدول الغربية في الأمم المتحدة التي ساهمت في تمويل الوكالة.

لكن اليابان عادت وقررت في سنة 1953 تقديم مساهمة مالية للوكالة، تمشياً مع توجّهٍ في مرحلة ما بعد الحرب، تمثل في سعيها إلى دعم وكالات الأمم المتحدة مثل منظمة اليونيسف، وذلك في إطار جهودها للعودة إلى المجتمع الدولي. كما أرادت الحكومة اليابانية أن تكون مساهمتها للأونروا بمثابة رسالة سياسية موجهة إلى الدول العربية الساعية إلى الاندماج في الساحة الدولية، أو بصورة أكثر تحديداً، إلى تلك الدول العربية التي استعادت سيادتها. وعلى الرغم من أن المساهمة الأولى لم تتجاوز عشرة آلاف دولار، فإن هذه المنحة الرمزية لم تكن سوى بداية انخراط اليابان دبلوماسياً في القضية الفلسطينية بعد الحرب.

صدمة النفط وتحوُّل الدبلوماسية اليابانية تجاه الشرق الأوسط

على مدى عشرين عاماً إثر استعادة سيادتها، انصبَّت جهود اليابان على تقديم الاعتذارات والتعويضات في آسيا عن حقبتها الاستعمارية القاسية. وبقيت دبلوماسيتها تجاه الشرق الأوسط محدودة، مدفوعة برغبتها في الحصول على النفط من دون المرور عبر الشركات الغربية الكبرى. على سبيل المثال، أرسلت شركة إيديميتسو كوسانIdemitsu-Kosan ‎ ناقلات نفط إلى إيران، وبعد أن أمَّم رئيس الحكومة محمد مصدّق قطاع النفط الإيراني سنة 1951، كانت ناقلة نيشّو مارو تنقل النفط من إيران إلى اليابان سنة 1953. لكن هذا التبادل التجاري توقف فجأة بعد أن أطاحت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بمصدق في ذلك العام.

في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، بدأ المجتمع الياباني يبدي اهتماماً بحركات التحرر من الاستعمار في الشرق الأوسط، بما في ذلك فلسطين. وعندما دعا الرئيس المصري جمال عبد الناصر ورئيس الحكومة الهندي جواهر لال نهرو وآخرون إلى تبني مبدأ عدم الانحياز في مؤتمر باندونغ سنة 1955، تبلورت دعوات التضامن مع آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بين المثقفين اليابانيين. وفي سنة 1958، وبدعم من توكوما أوتسونوميا، الذي كان نائباً منتمياً إلى تيار داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم يدعو إلى تطبيع العلاقات بين اليابان والصين، جرى افتتاح مكتب لجبهة التحرير الوطني الجزائرية في طوكيو.

طرأ تغيُّر حاد على مسار انخراط اليابان البطيء لكن الثابت في الشرق الأوسط بعد أزمة النفط سنة 1973. فقد توقف النمو الاقتصادي السريع الذي أتاح ازدهار الصناعات الكبرى اليابانية، ومنها السيارات والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، مع الارتفاع الحاد في أسعار النفط بعد قرار الدول العربية المنتجة للنفط تقليص الإنتاج بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973. في ذلك الحين، كانت اليابان تعتمد على النفط لتوفير 75 بالمئة من حاجاتها من الطاقة الأولية، 78 بالمئة منها من السعودية ودول شرق أوسطية أُخرى. ووسط حالة من الذعر الاجتماعي، صرّح سوسومو نيكايدو الأمين العام لمجلس الوزراء في حكومة كاكوئيه تاناكا التي شكلها الحزب الليبرالي الديمقراطي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 1973 بأن الحكومة اليابانية تسعى لتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 242 وتدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير. واختتم تصريحه بالقول إن "الحكومة اليابانية تتابع الوضع في الشرق الأوسط بقلق بالغ، وقد تضطر إلى إعادة النظر في سياستها تجاه إسرائيل حسب تطورات الأحداث"؛ وقد عبّر ذلك عن حدوث تحول في الدبلوماسية اليابانية حيال الدول العربية. في الوقت ذاته، أُرسلت بعثة برئاسة نائب رئيس الوزراء تاكيو ميكي إلى دول عربية منها السعودية ومصر لتوضيح موقف الحكومة اليابانية.

وعلى الرغم من اعتراف اليابان بإسرائيل بعد شهر من استعادتها سيادتها (نيسان/ أبريل 1952)، وفتح ممثلية دبلوماسية في تل أبيب سنة 1955 (رُفعت إلى مستوى سفارة سنة 1963)، فإن العلاقات الدبلوماسية والتبادل الثقافي مع إسرائيل ظلا ضعيفين، باستثناء بعض المسيحيين والمجموعات الشبابية التي انجذبت إلى حركة الكيبوتس. وأدت أزمة النفط سنة 1973 إلى تراجع العلاقات اليابانية الإسرائيلية لما يقارب نصف قرن. في المقابل، ارتفعت مساهمة اليابان في وكالة الأونروا إلى خمسة ملايين دولار سنوياً بدءاً من سنة 1974. ونظراً إلى أن هذا التحول في الموقف نبع أساساً من اعتبارات أمن الطاقة، انتقد البعض في اليابان هذه السياسة التي سُمِّيت دبلوماسية النفط (أبورا)، لا دبلوماسية اليابان العربية.

تطور العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية

في سبعينيات القرن العشرين، طرأت سلسلة من الأحداث التي دفعت اليابان إلى التفاعل مع القضية الفلسطينية. ففي 30 أيار/ مايو 1972، هاجم كوزو أوكاموتو واثنان من أعضاء الجيش الأحمر الياباني مطار اللد في إسرائيل، في حادثة أبرزت البعد الدولي للثورة الفلسطينية. وفي سنة 1975، زار ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، شفيق الحوت، طوكيو بدعوة من مجلس اليابان لمناهضة القنابل الذرية والهيدروجينية (جنسويكيو)، ومن مؤتمر اليابان المناهض للقنابل الذرية والهيدروجينية (جنسويكين). ونسَّق الحوت مع أعضاء الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم لإقامة مكتب للمنظمة في طوكيو. وقد زار الحوت اليابان مرتين قبل أن يفتتح المكتب التمثيلي للمنظمة في شباط/ فبراير 1977. وكان شفيق الحوت قد اصطحب في زيارته الثانية فاروق القدومي، رئيس الدائرة السياسية في المنظمة، والتقى القدومي حينها رئيس الوزراء تاكيو ميكي (الحزب الليبرالي الديمقراطي) الذي سبق أن ترأس وفداً إلى الشرق الأوسط بعد أزمة النفط. كما زار جمال الصوراني، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة، مدينتي يوكوهاما وطوكيو سنة 1975. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، عُقد مؤتمر كبير حول القضية الفلسطينية في مركز يوكوهاما الدولي بمشاركة نحو 600 باحث وسياسي.

منذ افتتاحه في سنة 1977، نشط مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في طوكيو في التواصل مع السياسيين اليابانيين، إلى جانب الكتَّاب والمثقفين والصحافيين. وعزَّز إصدار مجلة "فلسطين بلادي"(Firasutin Biraadi ‎)  باللغة اليابانية اهتمام المجتمع الياباني بالقضية الفلسطينية. وصدر من المجلة 43 عدداً بين تشرين الأول/ أكتوبر 1979 وأيلول/ سبتمبر 1983. وفي حزيران/ يونيو 1979، تأسَّس اتحاد الصداقة البرلمانية اليابانية الفلسطينية برئاسة توكوما أوتسونوميا، ويوشيكو ياماغوتشي أميناً عاماً، وهو ما مهد الطريق لزيارة رئيس المنظمة ياسر عرفات إلى اليابان سنة 1981.

خلَّف الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 ومجزرة صبرا وشاتيلا التي تلته صدمة عميقة في اليابان، لا سيما وأنها ارتُكبت في فترة شهدت تنامي القلق في المجتمع الياباني بشأن القضية الفلسطينية من منطلق أخلاقي. وفي آذار/ مارس 1983، التأمت في طوكيو "المحكمة الشعبية الدولية بشأن العدوان الإسرائيلي على لبنان"، وانخرطت منظمات غير حكومية يابانية في الثمانينيات في دعم الشعب الفلسطيني.

علاقات اليابان مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل بعد اتفاق أوسلو

أخذت الحكومة اليابانية تؤكد تفضيلها خيار حل الدولتين الذي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة. وفي أعقاب أزمة الخليج وحرب الخليج بين سنتي 1990 و1991، تأثرت سياسة اليابان تجاه الشرق الأوسط على نحو واضح بعلاقاتها بالولايات المتحدة. وخلال الأزمة، احتجز نظام صدام حسين نحو 200 ياباني في العراق كدروع بشرية، (قال إنهم "ضيوف" لديه)، وهو ما أثر سلباً في دبلوماسية اليابان في المنطقة. ومع تحول الولايات المتحدة إلى القوة المهيمنة على النظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، أصبحت علاقة اليابان بواشنطن العامل الحاسم في رسم سياساتها تجاه سائر الدول. وبما أن الولايات المتحدة دفعت باتجاه حل الدولتين بعد اتفاق أوسلو في أيلول/ سبتمبر 1993، فقد تبعت حكومة اليابان هذا التوجه. ومع ذلك، أوضحت الحكومة اليابانية معارضتها نشاطات إسرائيل الاستيطانية في الضفة الغربية وضم القدس الشرقية وهضبة الجولان، مستندة إلى قرارات الأمم المتحدة، ولا سيما القرار 242، ومبادئ القانون الدولي. كما رفضت اليابان إعلان الحكومة الإسرائيلية القدس عاصمة لإسرائيل، وأبقت سفارتها في تل أبيب.

لم يزرْ أي رئيس حكومة ياباني فلسطين أو إسرائيل إلاّ بعد إنشاء السلطة الفلسطينية في سنة 1994. ففي سنة 1995 زار رئيس الحكومة المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الياباني تومييشي موراياما إسرائيل والأراضي الفلسطينية. ومنذ ذلك الحين، كان رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية اليابانيون يلتقون بمسؤولي إسرائيل والسلطة الفلسطينية خلال الزيارة نفسها للمنطقة.

تقوم السياسة الخارجية اليابانية الرامية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط على ثلاث ركائز: الحوار السياسي مع الأطراف المعنية؛ بناء الثقة بين تلك الأطراف؛ تقديم المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين. وقد واصلت اليابان دعم المجتمع الفلسطيني عبر الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) ووكالة الأونروا، وكذلك من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي كانت اليابان قد أنشأت ضمنه صندوق التنمية الياباني الفلسطيني سنة 1988، بهدف بناء المؤسسات وتطوير البنية التحتية وتنمية الموارد البشرية. وبالإضافة إلى المساعدة المالية المقدمة للفلسطينيين من خلال المنظمات غير الحكومية الدولية اليابانية، دعمت الحكومة اليابانية بناء مطار غزة الدولي. كما قدّمت منحاً ومساعدات للمستشفيات الفلسطينية. وفي مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تكفَّلت ببناء مظلة ضخمة لحماية موقع وفسيفساء قصر هشام الأثري في أريحا الذي يعود إلى القرن الثامن. وفي سنة 2001 دمَّرت الغارات الإسرائيلية مطار غزة الدولي، لكن الحكومة اليابانية لم تقدّم احتجاجاً كافياً، ولم تُبادر إلى المطالبة بتعويض.

في سنة 2006، أطلقت حكومة جونيشيرو كويزومي مشروع "ممر السلام والازدهار" لبناء حديقة أريحا الصناعية الزراعية بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والحكومتين الإسرائيلية والأردنية. وفي سنة 2013، انطلق مؤتمر التعاون بين دول شرق آسيا من أجل تنمية فلسطين، وهو إطار إقليمي تشاركي بدعم من دول شرق آسيا ووكالات الأمم المتحدة مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالة الأونروا. ودعمت اليابان بناء المؤسسات الفلسطينية بالاستفادة من الخبرات الشرق آسيوية في التنمية الاقتصادية.

وفي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، اتجهت الحكومة اليابانية نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل. وتحت إدارة شينزو آبي، بدأ البحث عن سبل التعاون في المجال الأمني، وازداد عدد الشركات اليابانية العاملة في إسرائيل، كما ارتفعت قيمة الاستثمارات اليابانية فيها. وفي سنة 2017، وُقِّع اتفاق الاستثمار بين اليابان وإسرائيل ودخل حيّز التنفيذ. وفي السنة نفسها، شُكِّل مجلس بحثي لوضع اتفاق شراكة اقتصادية بين البلدين.

اليابان والإبادة في غزة

واجه نمو العلاقات بين إسرائيل واليابان عراقيل كبيرة جراء الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وفيما طالبت الحكومة اليابانية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، فقد حثَّت الحكومة الإسرائيلية على الوقف الفوري لإطلاق النار وتحسين الوضع الإنساني في القطاع. وبناء على موقفها الرافض لنشاطات الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي، فرضت اليابان في تموز/ يوليو 2024 عقوبات اقتصادية لأول مرة على أربعة مستوطنين ثَبُت تورطهم في أعمال عنف.

لكن في أيلول/ سبتمبر 2025، امتنع رئيس الحكومة شيغيرو إيشيبا عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ‏على الرغم من اعتراف دول أوروبية مثل المملكة المتحدة وفرنسا بها. وهو قرار يمكن أن يُعزى إلى الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل وحرص اليابان على علاقاتها الوثيقة مع واشنطن. ومع ذلك، أوضح إيشيبا أن الاعتراف الياباني بفلسطين ليس سوى مسألة وقت، وكرر دعوة إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية في غزة. ومع أن موقف اليابان من القضية الفلسطينية بقي إلى حد كبير تابعاً لموقف واشنطن، فقد تمتعت سياساتها ببعض الاستقلالية عنها. فطوكيو تُولي أهمية خاصة للامتثال للمعايير الدولية؛ وكانت ردة فعلها حادة في إثر احتجاز حركة "حماس" أسرى حرب إسرائيليين، وكذلك تجاه انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي في غزة والضفة الغربية. ولكي تتمكن اليابان من الاضطلاع بدور فاعل في القضية الفلسطينية مستقبلاً، فسيتعين عليها مواصلة تمسكها الصارم بهذه المعايير الدولية.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2025/11/28
E.g., 2025/11/28

يرجى محاولة عملية بحث جديدة. لا يوجد أي نتائج تتعلق بمعايير البحث الحالية. هناك العديد من الأحداث في التاريخ الفلسطيني والجدول الزمني يعمل جاهدا لالتقاط هذا التاريخ.