بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، أصبحت العلاقة بين الخطاب أو السلوك الموجه ضد دولة إسرائيل والتعصب ضد اليهود موضع جدل عام. وعلى مدى العقود اللاحقة، مع تعرض إسرائيل لانتقادات دولية متزايدة بسبب رفضها الدبلوماسي وانتهاكاتها للقانون الدولي، عمد عدد متزايد من المسؤولين والناشطين السياسيين والمعلقين والباحثين إلى تصنيف الكثير من الانتقادات لإسرائيل على أنها صيغة شريرة جديدة لمعاداة اليهود، أو ما بات يُعرف باسم "معاداة السامية الجديدة". وفي سنة 2004، قادت منظمة تدافع عن مصالح إسرائيل، مقرها في الولايات المتحدة، عملية "إعادة تعريف" رسمية لمعاداة السامية، كان المستجد فيها وصفها بعض التصريحات التي تنتقد إسرائيل بأنها معادية للسامية. وفي سنة 2016، اعتمد "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" ("التحالف الدولي"، IHRA)، وهو هيئة تضم 35 دولة (معظمها أوروبية) تعمل على تعزيز التثقيف بشأن الهولوكوست، نسخة من هذا التعريف. وصار "التعريف العملي لمعاداة السامية" الذي اعتمده التحالف، محور جدل حاد حول العلاقة بين معاداة السامية وانتقاد إسرائيل، بالإضافة إلى الخلافات حول سبل الحد من "خطاب الكراهية" وفي الوقت نفسه حماية الحرية الأكاديمية وحرية التعبير .
تعريف التحالف لمعاداة السامية وأمثلته
في أيار/ مايو 2016، اعتمدت الهيئة العامة في التحالف الدولي "التعريف العملي التالي غير الملزم قانوناً لمعاداة السامية":
معاداة السامية هي تصور مُعيَّن لليهود، قد يُعبّر عنه بالكراهية تجاه اليهود. وتستهدف المظاهر البلاغية والجسدية لمعاداة السامية الأفراد اليهود أو غير اليهود و/أو ممتلكاتهم، والمؤسسات المجتمعية اليهودية ومرافقهم الدينية.
وأُلحق بالتعريف العملي نص توضيحي يهدف إلى "إرشاد التحالف الدولي في عمله." وأكد النص أن معاداة السامية قد تستهدف "دولة إسرائيل، باعتبارها جماعة يهودية"، لكنه لفت إلى أن "انتقاداً لإسرائيل، مماثلاً للنقد الموجه لأي دولة أُخرى، لا يمكن اعتباره معاداة للسامية."
ثم أورد النص التوضيحي أحد عشر "مثالاً" لأفعال أو تعبيرات "قد تُشكل، مع مراعاة السياق العام"، معاداة للسامية. وتتعلق أربعة من هذه الأمثلة بإسرائيل:
- "حرمان الشعب اليهودي من حقه في تقرير المصير، على سبيل المثال، بالادعاء بأن وجود دولة إسرائيل مسعى عنصري."
- "تطبيق ازدواجية في المعايير [تجاه إسرائيل] من خلال مطالبتها بسلوك غير متوقع أو مطلوب من أي دولة ديمقراطية أُخرى."
- "استخدام الرموز والصور المرتبطة بمعاداة السامية التقليدية (مثل الادعاء بأن اليهود قتلوا المسيح أو الافتراء الدموي [Blood Libel]) لوصف إسرائيل أو الإسرائيليين."
- "المقارنة بين السياسات الإسرائيلية المعاصرة وسياسات النازيين."
كما صنَّف النص التوضيحي: (1) "الأفعال المعادية للسامية" على أنها "إجرامية" عندما "يُعرّفها القانون على هذا النحو"؛ (2) و"الأفعال الإجرامية" على أنها "معادية للسامية" عندما تُوجّه ضد أهداف اختيرت بسبب تصور وجود "صلة" لها باليهود؛ (3) و"التمييز المعادي للسامية" على أنه "حرمان اليهود من الفرص أو الخدمات المتاحة للآخرين."
قدّم مؤيدو تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست هذه الوثيقة على أنها "أداة حيوية أساسية" تُمكّن السلطات من تحديد مظاهر معاداة السامية على نحو متسق وموحد ومن ثمّ اتخاذ الإجراءات اللازمة بناء على ذلك. وأشاروا بأن تشمل السلطات المعنية بذلك القضاة الذين يطبقون قوانين جرائم الكراهية؛ جامعي البيانات الذين يُقررون الحوادث التي يُدّعى أنها معادية للسامية؛ منصات التواصل الاجتماعي التي تُشرف على المحتوى الإلكتروني؛ مديري الجامعات الذين يُحددون الخطاب المسموح به في الحرم الجامعي؛ الهيئات العامة التي تُحدد المشاريع البحثية ومشاريع المجتمع المدني وتلك الثقافية الجديرة بالتمويل.
وادّعى مؤيدو التعريف أنّ السلطات فشلت في السابق في تصنيف الأحداث المعادية للسامية عندما تجلّت في شكل خطاب معادٍ لإسرائيل أو عمل موجه ضدها؛ وادعوا أن السلطات يمكنها الآن تطبيق تعريف التحالف الدولي والاسترشاد بالأمثلة المرفقة به للخروج بتقييمات متناسقة في الحالات الصعبة.
الانتقادات
جادل منتقدو النص بأنّه غير كافٍ لثلاثة أسباب رئيسية:
النص غير واضح وغير قاطع. كان التعريف العملي المُكوّن من جملتين غامضاً لدرجة فراغه من أي مضمون، إذ نصّ على أن معاداة السامية هي "تصور مُعيَّن لليهود" من دون تحديد كنه هذا "التصور". ولم يكن من الممكن تطبيق الأمثلة المصاحبة للأفعال أو التعبيرات التي "من شأنها، مع مراعاة السياق العام"، أن تُشكّل معاداة للسامية، بصورة متناسقة، لأن النص لم يُحدد أي "السياقات" يمكن أن ينطبق عليها التعريف. وأخيراً، كانت بعض الأمثلة غامضة بحد ذاتها وتفسح في المجال لعدة تأويلات. على سبيل المثال، عادةً، يتطلب تحديد ما إذا كان تصريح مُعيَّن يطبق "ازدواجية في المعايير" تجاه إسرائيل الرجوع إلى أحكام تاريخية وسياسية وقانونية سابقة بخصوص مسائل معقدة في مجالات تثير الكثير من الجدل. ومع ذلك، لم يُقدّم نصّ التحالف الدولي أي إرشادات حول سبل إيجاد حل لهذه الخلافات.
النص متحيِّز. تضمنت أمثلة التحالف الدولي في ما اُدعي أنه تعريف إجرائي موضوعي لمعاداة السامية فرضيات متحيِّزة أيديولوجياً وسياسياً. إذ من الجائز، استناداً إلى دراسات بحثية معتَبرة، الدفاع عن الاعتقاد بأن إسرائيل أو الصهيونية "مسعى عنصري". غير أن أحد أمثلة التحالف الدولي وصم هذا الموقف بأنه معادٍ للسامية. وفي حين كان استخدام التشبيهات النازية منتشراً في الخطاب السياسي وأشار معلقون يهود وإسرائيليون بارزون إلى أوجه تشابه بين السياسات الإسرائيلية والنازية، إلاّ إن مثالاً آخر في تعريف التحالف الدولي نزع الشرعية عن هذه المقارنات بشكل انتقائي وشامل وبقرار قاطع من دون تبرير. وقد وجهت جمعيات رائدة مدافعة عن حقوق الإنسان وكذلك محكمة العدل الدولية اتهامات إلى إسرائيل بانتهاك اتفاقية الفصل العنصري، لكن مثال التحالف الدولي بشأن "ازدواجية المعايير" صنَّف إسرائيل على أنها "دولة ديمقراطية".
النص يهدد حقوق الإنسان. إذا قرأنا نص التحالف الدولي حرفياً، ومع أخذ كل التحفظات التي يتضمنها في الاعتبار، سنجد أنه يفتقر إلى المعنى. أمّا إذا أُغفلت تلك التحفظات، فيمكن بسهولة تفسير أمثلة التحالف على أنها تشمل انتقادات مشروعة ودقيقة موجهة لإسرائيل. وفي كلتا الحالتين، كان النص غير صالح لاستخدامه كمرجعية لضبط الخطاب أو تنظيمه. كما أن افتقاره التام للوضوح يشجع الناس على الرقابة الذاتية، لأنهم لن يكونوا متأكدين ما هي التصريحات التي ستُفسر على أنها مُخالفة له، في حين أن أمثلته قد تُستخدم لوصم أو قمع تعابير ذات مشروعية عن الرأي. في الولايات المتحدة، قد يؤدي إيراد أمثلة التحالف الدولي في لوائح الشركات أو الجامعات إلى ردع الموظفين أو الطلاب عن التعبير عن آرائهم بشأن السياسة الخارجية الأميركية خوفاً من أن يُلحق ذلك ضرراً بسمعتهم ويقضي على مسيرتهم المهنية. وإلى جانب تعريض الحق في حرية التعبير للخطر بشكل عام، نزع النص الشرعية أيضاً عن الخطاب الذي ينتقد إسرائيل بشكل خاص. وقد ينذر هذا الأمر بتجريد أولئك المستهدفين بسياسات إسرائيل من الحماية التي توفرها التغطية الإعلامية الدولية، وهو ما يزيد من خطر تعرضهم لانتهاكات حقوق الإنسان.
رداً على هذه المخاوف، أكد مؤيدو نص التحالف الدولي أنه "غير مُلزم قانوناً" وسلطوا الضوء على ما ورد فيه من أن "انتقاداً لإسرائيل، مماثلاً لنقد موجه لأي دولة أُخرى، لا يمكن اعتباره معاداة للسامية." لكن أياً من هذه الضمانات المزعومة لم يُطمئن المنتقدين. فمن جهة، حظي تعريف التحالف الدولي بمفعول قانوني في بعض الأنظمة القضائية (على سبيل المثال، في عدة ولايات أميركية)، ونُظمت حملات للمطالبة بتقنينه في أماكن أُخرى. ومن جهة أُخرى، حتى لو لم تكن أمثلة التحالف الدولي مُلزمة بحد ذاتها، فإنها ما زالت قادرة على أن تملي على القضاة كيف يطبقون قوانين خطاب الكراهية. علاوة على ذلك، إذا استُخدمت أمثلة التحالف الدولي من قِبل مسؤولي الجامعات والمنصات الإعلامية والأحزاب السياسية وغيرهم لتنظيم الخطاب في تلك المجالات، فقد يؤدي ذلك إلى خنق حرية التعبير في المجتمع المدني حتى إن لم تكن تلك الأمثلة مُلزمة قانوناً. في الوقت نفسه، وعلى اعتبار أن تحديد ما يُعد "ازدواجية في المعايير" تجاه إسرائيل مسألة ذاتية، لم يقدم النص شرحاً واضحاً لما يمكن وصفه بأنه نقد "مشابه لذلك الموجَّه إلى أي دولة أُخرى." وهذا الاستثناء المزعوم في النص لم يؤدِ إلى ضبط أو موازنة، بل كرر، بشكل إيجابي ظاهرياً، العيوب نفسها التي شابت الأمثلة المطروحة.
لمحة تاريخية
إن التعريف العملي لمعاداة السامية الصادر عن التحالف الدولي هو نتاج حملة سياسية مُنسقة شنتها جماعات مؤيدة لإسرائيل، وعملت مع حكومات داعمة لها، لنزع الشرعية عن شريحة واسعة من الانتقادات الدولية الموجهة لإسرائيل، واعتبارها معادية للسامية.
معاداة السامية الجديدة
في سبعينيات القرن الماضي، علت الانتقادات الموجهة لسياسات إسرائيل بسبب احتلالها العسكري وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وتعنتها الدبلوماسي. وزعم المتحدثون الرسميون الإسرائيليون ومؤيدو إسرائيل بأن قسماً كبيراً من هذه الانتقادات الدولية المتزايدة، أو معظمها، كان ظاهرة معادية لليهود – وهو ما سموه "معاداة جديدة للسامية". وجادلوا بأنه في حين استهدفت معاداة السامية التقليدية أفراداً يهوداً أو مجتمعات يهودية، فإن معاداة السامية الجديدة تتجلى بوضوح في العداء لإسرائيل أو التمييز ضد الدولة اليهودية. كما أكدوا على إمكان التمييز بوضوح بين النقد المشروع لإسرائيل والنقد المعادي للسامية لإسرائيل.
أين يجب رسم هذا الحد؟ كان مُروّجو "معاداة السامية الجديدة" مُتّسقين بشكلٍ ملحوظ في ردودهم، والتي استخلص جوهرها في شباط/ فبراير 2004 وزير القدس وشؤون الشتات الإسرائيلي آنذاك، ناتان شارانسكي. حدَّد شارانسكي ثلاثة مفاهيم تُستخدم في "معاداة السامية الجديدة"، وهي: "شيطنة" إسرائيل، و"نزع شرعيتها"، وتطبيق "معايير مزدوجة" تجاهها. والشيطنة (Demonization) تتمثل في المبالغة المفرطة في الانتقاد "إلى حد يتجاوز كل منطق أو تناسب"؛ ونزع الشرعية (Delegitimization) يُقصد به إنكار "الحق الأساسي لإسرائيل في الوجود"؛ أمّا الازدواجية في المعايير ( (Double Standardsفتعني "استهدافها تحديداً" دون غيرها بانتقادات "انتقائية" أو تنطوي على نفاق.
تعريف مركز رصد العنصرية وكراهية الأجانب التابع للاتحاد الأوروبي، 2004 – 2013
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تضافرت عوامل انهيار "عملية السلام" في أوسلو واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتغطية الإعلامية للقمع الإسرائيلي الشرس، لتقويض مكانة إسرائيل لدى الرأي العام الغربي. وشهد المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية في سنة 2001 الذي عُقد في دوربان، جنوب أفريقيا، برعاية الأمم المتحدة، عودة إلى نعت الصهيونية بأنها حركة عنصرية. وفي استطلاع أُجري سنة 2003 في دول الاتحاد الأوروبي، اعتبر عدد أكبر من المشاركين إن إسرائيل "تهدد السلام في العالم" أكثر من أي دولة أُخرى. كما شهد العديد من دول أوروبا الغربية ارتفاعاً في عدد الحوادث الموثقة المعادية لليهود، على ارتباط بتصاعد الصراع في الشرق الأوسط، حتى وإن لم تلحظ استطلاعات الرأي العام زيادة في المشاعر المعادية لليهود.
في هذا السياق، قادت اللجنة اليهودية الأميركية (AJC) عملية "إعادة تعريف" رسمية لمعاداة السامية بما يشمل "معاداة السامية الجديدة". كانت اللجنة اليهودية الأميركية جماعة ضغط بارزة لمصلحة إسرائيل حرصت منذ زمن طويل على الترويج لفكرة معاداة السامية الجديدة. كما كان يعمل معظم المشاركين الآخرين في عملية الصياغة لمصلحة منظمات يهودية تدافع عن إسرائيل وتؤيد المزاعم بوجود معاداة جديدة للسامية مرتبطة بإسرائيل. واستُبعد من العملية المسؤولون اليهود وخبراء معاداة السامية الذين كانوا قد أعربوا عن شكوكهم تجاه إطار معاداة السامية الجديد. وكان النص الناتج مطابقاً تقريباً للنسخة التي أقرها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست بعد ذلك بأكثر من عشر سنوات.
في سنة 2005، نشر مركز رصد العنصرية وكراهية الأجانب التابع للاتحاد الأوروبي (EUMC) - وهو هيئة مستقلة في الاتحاد - نسخةً معدلةً من نص اللجنة اليهودية الأميركية، على موقعه الإلكتروني بصفتها مسودة "التعريف العملي لمعاداة السامية". وكانت الوثيقة الأصلية للجنة اليهودية الأميركية قد أدرجت أحد عشر فعلاً أو تعبيراً قُدِّمت على أنها أمثلة تُعبّر عن معاداة للسامية بشكل قاطع؛ غير أن المفاوضات مع المركز الأوروبي أفضت إلى إدخال تحفّظ يشير إلى أن هذه الأمثلة "قد" تُعتبر معادية للسامية فقط بحسب "السياق". وقد أُضيف هذا التحفّظ بغرض حماية الانتقادات المشروعة الموجّهة إلى إسرائيل من التوصيف التلقائي بأنها معادية للسامية. لكن في الواقع العملي، تجاهلته الجماعات المؤيدة لإسرائيل في أكثر الأحيان. ولم يُقرّ لا مركز رصد العنصرية وكراهية الأجانب ولا الاتحاد الأوروبي التعريف العملي. ومع ذلك لجأت الجماعات المؤيدة لإسرائيل لاحقاً إلى استخدام التعريف الذي قدمته على أنه "تعريف مركز رصد العنصرية وكراهية الأجانب" أو "التعريف الأوروبي" أو حتى "تعريف الاتحاد الأوروبي" كأداة في خدمة خطابها الموجه إلى منتقدي إسرائيل. ويبدو أن الجدل المثار هو ما دفع الهيئة التي خلفت مركز رصد العنصرية وكراهية الأجانب، وهي وكالة الحقوق الأساسية، إلى حذف التعريف من موقعها الإلكتروني سنة 2013. ودفع هذا الحذف الحكومة الإسرائيلية ومؤيديها إلى إيجاد مرجع مؤسسي بديل يتبنى "إعادة تعريفهم" لمعاداة السامية.
تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، أيار/ مايو 2016
بين سنتي 2014 و2016، عمل مركز سيمون فيزنتال، وهو منظمة يهودية مقرها الرئيسي في لوس أنجلوس، مع مسؤولين من الولايات المتحدة ورومانيا وألمانيا ودول أُخرى لضمان اعتماد التعريف العملي من جانب التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. كان مركز سيمون فيزنتال جماعة ضغط يمينية مؤيدة لإسرائيل تتبنى تفسيراً فضفاضاً لمعاداة السامية فيما يتعلق بهذه الدولة: شبّه المركز إرشادات الاتحاد الأوروبي التي تحظر تمويل المؤسسات الإسرائيلية المقامة على نحو مخالف للقانون في الأراضي الفلسطينية المحتلة "بمقاطعة النازية لليهود"؛ ووصف قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334، الذي أعاد تأكيد عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية، بأنه "أسوأ حادثة معادية للسامية/ مناهضة لإسرائيل" في العالم سنة 2016؛ وردّ على قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي قضى باختصاصها القضائي في فلسطين بأن اتهم المحكمة "بمعاداة السامية" وبأنها ليست سوى "محكمة صورية".
كما ترأس مارك فايتسمان، مدير الشؤون الحكومية في مركز فيزنتال، لجنة التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست المعنية بمعاداة السامية وإنكار الهولوكوست ("لجنة معاداة السامية"). وقبل اجتماع التحالف في أيار/ مايو 2016 في بوخارست، طلبت لجنة فايتسمان من الهيئة العامة للتحالف أن تتبنى كامل نص التعريف العملي لمعاداة السامية الذي كان مركز رصد العنصرية وكراهية الأجانب التابع للاتحاد الأوروبي (EUMC) قد اعتمده سنة 2005: وهو التعريف المكون من جملتين وقائمة الأمثلة الأحد عشر، بما في ذلك الأمثلة الأربعة المتعلقة بإسرائيل. اعترضت عدة دول أعضاء في التحالف الدولي على الأمثلة المتعلقة بإسرائيل، معتبرةً إياها تهديداً للخطاب السياسي المشروع، أي للنقد المشروع الموجه لإسرائيل. ولتحقيق التوافق المطلوب، عُدِّل نص معهد فيزنتال باستبعاد الأمثلة من التعريف العملي؛ واحتُفظ بها كمجرد دليل لعمل التحالف الدولي. واعتُمد هذا النص المنقح بالإجماع في 26 أيار/ مايو 2016.
تضليل
لم تُعِر إسرائيل ومؤيدوها مطلقاً أي أهمية تذكر للتعريف العملي لمعاداة السامية، والمكون من جملتين غامضتين. بل ما أولوه قيمة حقيقية هو قائمة الأمثلة المرفقة والتي يُمكن استخدامها لنزع الشرعية عن الانتقادات الموجهة لإسرائيل. غير أن بعض وفود التحالف الدولي سعى إلى التمييز بين التعريف والأمثلة، فدفع بالتعريف إلى الأمام استرضاءً للقوى المؤيدة لإسرائيل، مع محاولة الحؤول دون أن تستخدم إسرائيل ومؤيدوها الأمثلة لتقويض حرية التعبير. لكن ابتداءً من سنة 2018، شرعت جماعات الضغط الإسرائيلية بعملية تضليل عبر تصوير الأمثلة كما لو كانت جزءاً من التعريف العملي لمعاداة السامية الذي اعتمدته الهيئة العامة للتحالف الدولي في أيار/ مايو 2016. وتواطأ المكتب الدائم للتحالف، ومقره برلين، في نشر هذه المعلومات المضللة. وفي جلسات خاصة، اعترضت عدة دول أعضاء في التحالف التي كانت قد عارضت الأمثلة المتعلقة بإسرائيل، على إعادة صياغة قرار التحالف لسنة 2016 من دون استشارتها، لكنها لم تذهب إلى حد الإفصاح عن مخاوفها على الملأ.
الاعتماد والتنفيذ
بحلول آذار/ مارس 2025، كان التعريف العملي لمعاداة السامية للتحالف الدولي قد حظي بتأييد أربع وأربعين دولة أعضاء في الأمم المتحدة وأكثر من نصف الولايات الأميركية؛ كما شكل أساساً لاستراتيجيا الاتحاد الأوروبي لمعاداة السامية. وكان الوضع القانوني أو السياسي لهذه "التأييدات" غير واضح في كثير من الأحيان، ولم يكن معروفاً عدد الدول التي اعتمدت أمثلة التحالف أيضاً. من ناحية أُخرى، رفض كل من الاستراتيجية القومية الأمريكية لمكافحة معاداة السامية المنشورة في أيار/ مايو 2023 وتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة في كانون الثاني/ يناير 2025 اعتماد تعريف التحالف الدولي على الرغم من الضغوط المكثفة التي مارسها مؤيدو إسرائيل. كما فشل النص في كسب تأييد واسع بين الخبراء وانتقدت مجموعة واسعة من العلماء والحقوقيين وناشطي الحريات المدنية وناشطي التضامن مع فلسطين والجماعات اليهودية التقدمية الأمثلة المشار إليها على الأسس المذكورة أعلاه.
جادل مثقفون فلسطينيون وعرب في بيان مشترك صدر سنة 2020 بأنه من خلال الخلط بين "اليهودية والصهيونية"، تنشئ أمثلة التحالف الدولي تعارضاً زائفاً بين الحقوق اليهودية والفلسطينية، مما يُقوّض كليهما. ومن بين العديد من المشكلات المتعلقة بالتعريف، أكدوا أن اعتماده جعل من الصعب حرية مناقشة الرؤى البديلة لدولة إسرائيل (مثل إعادة تشكيل كيان سياسي ثنائي القومية) أو حق العودة المعترف به دولياً للاجئين الفلسطينيين.
وصاغ بعض منتقدي التعريف تعريفات بديلة حاولت التخفيف من عيوب أمثلة التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، وتمثل ذلك خصوصاً في إعلان القدس لسنة 2021 بشأن معاداة السامية. في الوقت نفسه، وُضعت "تعريفات عملية" مماثلة لماهية كراهية الإسلام وكراهية الهندوسية في تقليد صريح لنص التحالف الدولي. لكن، لم يكتسب أي من مشاريع التعريف الأُخرى هذه زخماً سياسياً مماثلاً.
عملياً، وثقت مجموعات حقوقية حالات متعددة استُخدمت فيها أمثلة التحالف الدولي – التي قُدمت زوراً على أنها التعريف الذي أقره التحالف - لفرض عقوبات على أفراد أو جماعات بسبب خطاب سياسي مشروع. في بريطانيا، على سبيل المثال، مُنعت فعاليات الطلاب المتعلقة بأسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي في أوائل سنة 2017 لانتهاكها قواعد التحالف الدولي، بينما في سنة 2021، حظر حزب العمال المعارض اقتراحاً لأحد فروعه يدين الفصل العنصري الإسرائيلي للأسباب نفسها. وأشاد مركز فيزنتال باستخدام نص التحالف لقمع الفعاليات الجامعية، ووصفه بأنه "نقطة تحول في النضال من أجل الحد من شيطنة الدولة اليهودية في الجامعات."
أدى تزايد الاهتمام السياسي بمزاعم معاداة السامية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إضافة إلى المبادرات اليمينية المتصاعدة في بريطانيا والولايات المتحدة لتأديب الجامعات أو سحب تمويلها، إلى خلق ظروف مواتية لكي تنتشر الرقابة المبنية على التعريف الذي قدمه التحالف الدولي. وأفادت لارا فريدمان من مؤسسة السلام في الشرق الأوسط في شباط/ فبراير 2024 بوجود "سيل من الشكاوى والدعاوى القضائية ضد الجامعات الأميركية على أساس معاداة السامية - جميعها تقريباً تعتمد على تعريف التحالف الدولي لمعاداة السامية." واعتباراً من آذار/ مارس 2025، برزت عدة مبادرات لترسيخ أو إصدار تشريع يتبنى تعريف التحالف و/أو أمثلته على المستوى الفدرالي وعلى مستوى الولايات الأميركية.
وعلى نطاق أوسع، أدى رفض إسرائيل الرسمي لفكرة التقسيم في فلسطين، إلى جانب الإبادة الجماعية المحتملة التي تمارسها في غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى استقطاب الرأي العام الغربي وتقويض شرعية إسرائيل الأساسية على الساحة الدولية. ومع حرص إدارة ترامب الثانية على استخدام أمثلة التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست ضد "معاداة السامية في الحرم الجامعي"، وضغط الجهات المانحة، المعروفة بتأييدها لإسرائيل، على الجامعات لقمع المظاهرات الطلابية احتجاجاً على ما يجري في غزة، من المرجح أن يستمر الجدل بشأن حدود الحق في التعبير والتجمع المسموح بهما وفي صميم ذلك تعريف معاداة السامية.
"رد مجموعة من المثقفين العرب على تعريف معاداة السامية لـ ’التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست’" (30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020).
Finkelstein, Norman G. Beyond Chutzpah: On the Misuse of Anti-Semitism and the Abuse of History, updated edition. Oakland: University of California Press, 2008.
Friedman, Lara. “Defining Criticism of Israel as Antisemitism — Dataset.” Foundation for Middle East Peace, regularly updated. https://lawfare.fmep.org
Friedman, Lara. “The How-To of Shutting Down Pro-Palestinian Speech and Protest in the US.” In Zaha Hassan and H. A. Hellyer, eds., Suppressing Dissent: Shrinking Civic Space, Transnational Repression and Palestine-Israel. London: Oneworld, 2024.
Lerman, Antony. Whatever Happened to Antisemitism? Redefinition and the Myth of the “Collective Jew.” London: Pluto Press, 2022.
Stern-Weiner, Jamie. The Politics of a Definition: How the IHRA Working Definition of Antisemitism Is Being Misrepresented. Free Speech on Israel, 2021. https://freespeechonisrael.org.uk/wp-content/uploads/2021/04/
محتوى ذو صلة
إضاءة على –
القانون الأساسي الإسرائيلي بشأن كرامة الإنسان وحريته، 1992
هوية يهودية على حساب المساواة في المواطنة