Ahmad Qurai and Avraham Shoha
Ahmad Qurai’ (Abu Ala), the Palestinian negotiator and Director General of the Palestine Liberation Organization's (PLO) Economics department and the principal PLO architect of the Oslo peace accords, shakes hands Paris with Israeli Finance Minister Avraham Shohat after signing ceremony of economic agreements between PLO and Israel, while French Foreign Minister Alain Juppé looks on.
بعد أن وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل إعلان المبادئ المتعلقة بترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي في الضفة الغربية وقطاع غزة في واشنطن في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، باشر الطرفان التفاوض لوضع الترتيبات العملية للحكم الذاتي. بالإضافة إلى الجوانب القانونية والسياسية والأمنية، كان على الطرفين تطبيق ما جاء في الإعلان بشأن الموضوعات الاقتصادية على أمل التأسيس لأرضية عملٍ مشترك وتنظيم الجانب التعاقدي للعلاقات الاقتصادية بين مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني وإسرائيل والمنظومة الاقتصادية الدولية. فقد نصت المادة 11 والملحقان الثالث والرابع منه، على التعاون الاقتصادي المستمر لتطوير الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل انطلاقاً من الإقرار بالمنفعة المتبادلة والحاجة إلى التعاون لتطوير مجالات المياه والكهرباء والتمويل والنقل والتجارة والصناعة، بالإضافة إلى التعاون الإقليمي الاقتصادي.
انطلقت المحادثات الاقتصادية في باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر 1993، تحت رئاسة أحمد قريع ممثلاً منظمة التحرير وأبراهام شوحط وزير المالية الإسرائيلي آنذاك ممثلاً الحكومة الإسرائيلية. وفي 29 نيسان/ أبريل 1994، توصل الطرفان إلى اتفاق على نص عُرف بــ"بروتوكول باريس الاقتصادي"، وقاما بتوقيعه بالأحرف الأولى. ثم أُدرج النص بعد خمسة أيام كملحق في اتفاق غزة-أريحا الذي تم توقيعه في القاهرة بين ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير ويتسحاق رابين رئيس الحكومة الإسرائيلية.
كان هدف الطرف الفلسطيني في المفاوضات التي أدت إلى البروتوكول الحصول على التزامات إسرائيلية تنبع ما أمكن من تفسير فلسطيني لنص إعلان المبادئ وروحه، بغية تحقيق تحولٍ فاصل في الاقتصاد الفلسطيني يقوم على تأسيس بنية تحتية قوية لاقتصادٍ فلسطيني قادرٍ على النمو والتطور، وتجسيد وحدة الأراضي الفلسطينية، "الضفة الغربية وقطاع غزة" في نظامٍ اقتصاديٍ واحد، والوصول إلى اقتصاد فلسطيني متوازن في علاقته مع إسرائيل والدول المجاورة، وخصوصاً الأردن، ووضع الأسس لسيادية القرار الاقتصادي تمهيداً لقيام دولة مستقلة بعد خمس سنوات. وكانت هذه الأهداف التي حددها المفاوض الفلسطيني تصب جميعها في تخفيف العبء الاقتصادي عن المواطن الفلسطيني وتوفير إيرادات كافية لتغطية موازنة السلطة الفلسطينية الوليدة.
من أجل الحكم على مدى ترجمة الأهداف الفلسطينية في توجهات البروتوكول، من الضروري أولاً عرض بنوده، وثانياً متابعة مدى تطبيق هذه البنود على أرض الواقع في ضوء الأهداف الفلسطينية خلال السنوات اللاحقة. ستقتصر معالجتنا فيما يلي على عرض بنود البروتوكول كما كان يمكن فهمها على خلفية السياسات الاقتصادية التي كانت إسرائيل تتبعها في بداية تسعينيات القرن الماضي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تضمن البروتوكول ديباجة وإحدى عشرة مادة وأكثر من ثمانين بنداً. تذكر الديباجة مبادئ عامة تدّعي المساواة والاحترام المتبادل والعدالة كأسس للعلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ولبناء قاعدة اقتصادية قوية للجانب الفلسطيني. ثم تقيّد المادة الأولى المبادئ الواردة في الديباجة فتُخضع العلاقات الاقتصادية بين الجانبين إلى أحكام إعلان المبادئ وإلى ما سيلحقه من اتفاقات وترتيبات مستقبلية. وتنشئ المادة الثانية لجنة اقتصادية فلسطينية – إسرائيلية مشتركة (JEC)، تكون مهمتها متابعة تنفيذ البروتوكول ومعالجة المشكلات التي قد تنجم عنه. وتتناول المواد 3 إلى 11 عدداً من القطاعات الاقتصادية التي من المفترض أن تحدث فرقاً في الوضع القائم، وتشمل هذه القطاعات كلاً من: سياسة الاستيراد والتصدير، والسياسة المالية والنقدية، والضرائب المباشرة وغير المباشرة، والسياحة والزراعة والصناعة، والتأمين والعمل.
سياسة الاستيراد والتصدير
منذ حرب سنة 1967 منعت إسرائيل الفلسطينيين من الاستيراد والتصدير إلاّ بإذنها، ولم يكن بإمكانهم الاستيراد إلاّ عبرها ومن خلال تجارها، كما حُرموا إقامة علاقات اقتصادية مع الدول العربية نتيجة منع إسرائيل دخول البضائع العربية إلى الأراضي المحتلة، وقيود قوانين المقاطعة العربية التي كانت تحول في المقابل دون تدفق البضائع الفلسطينية إلى الدول العربية إلاّ بنسبة ضئيلة خوفاً من تسلل المنتوجات الإسرائيلية ضمن تلك البضائع. كما أن غياب الحواجز الجمركية بين إسرائيل والأراضي المحتلة سنة 1967، وتكاليف النقل المنخفضة جعلت إسرائيل الشريك التجاري الأبرز للفلسطينيين، وذلك باتجاهٍ واحد وبتركيز مشوّه. فكانت الواردات من إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية – التي وصلت نسبتها إلى 90% من مجموع الواردات – تتدفق بسلاسة، بينما كانت تُفرض قيود الأمن والسلامة والصحة والحظر على الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل.
في المقابل، مكّن البروتوكول الفلسطينيين من استخدام نقاط دخول وخروج مخصصة لأغراض الاستيراد والتصدير وتأسيس نقاط جمارك فلسطينية عُرفت بـ "نقاط شحن"، يقوم فيها الجانب الفلسطيني بالتفتيش وجباية الضرائب وتطبيق سياسته الخاصة للجمارك والبضائع المستوردة، كما أتاح لهم انفتاحاً على الأسواق العربية والدولية، وتنويعاً في الشركاء التجاريين، ووضع معايير ومحددات تتلاءم مع حاجاتهم من المنتوجات الغذائية والزراعية ومواد البناء والمنتجات النفطية والأدوات المنزلية الكهربائية، واستيراداً للمعدات اللازمة للنمو الاقتصادي مثل المعدات الزراعية وآلات البناء والسيارات والبنزين وزيوت التدفئة مباشرة من المصدر.
لكن البروتوكول وضع أيضاً قيوداً عمّقت الفصل الجغرافي بين الضفة والقطاع وفصلت القدس تماماً عن الأراضي الفلسطينية، كما أخضع التجارة الخارجية لغلاف جمركي واحد مع إسرائيل وهو ما أثر في أسعار المنتوجات في السوق الفلسطينية. وحرم البروتوكول الفلسطينيين من استيراد أكثر من 100 صنف من المواد الخام المستخدمة في الصناعات الجلدية والإنشائية والغذائية والهندسية والمعدنية والصحية، مثل بعض أنواع الأسمدة الكيماوية وآلات القص والحفر ومعدات الاتصال والتكنولوجيا، بحجج سياسية أو أمنية أو صحية متعددة. كما تدخل البروتوكول في آليات الاستيراد ومواصفات السلع ومقاييسها وحجم واتجاه التجارة الفلسطينية، وحدد شروط التجارة مع البلدين الأساسيين، مصر والأردن، ومع الدول العربية الأُخرى والإسلامية، ووضع بشأن السلع التي يمكن الاستيراد منها قائمتين هما (أ 1) و (أ 2).
السياسة النقدية
حُرم الفلسطينيون منذ سنة 1967، ووفقاً للأمر العسكري رقم 7 من إنشاء وإدارة أي مؤسسات مصرفية، بل اعتمدت السياسة الإسرائيلية على منع تأسيس مصارف وطنية فلسطينية، وفرض شروط تعجيزية على المصارف الأجنبية الراغبة في إعادة فتح فروعها في المناطق الفلسطينية، والاقتصار على تسهيل عمليات التبادل التجاري بين الضفة وغزة من جانب، وإسرائيل من جانب آخر.
واختلف هذا الوضع بعد البروتوكول، إذ أصبح بإمكان الفلسطينيين تأسيس سلطة نقد خاصة بهم تنظم شؤون المصارف والمؤسسات المالية وتدير الاحتياطات الرسمية وتؤسس لبنوك ومؤسسات مصرفية فلسطينية، وتقوم بتسوية الحسابات والتبادلات بالعملات الأجنبية، وترتبط بعلاقات إقليمية مع البنوك المركزية العربية في مصر والأردن، كما أضحى التداول بالدينار الأردني والدولار الأميركي ممكناً.
وعلى الرغم من ذلك، فقد ترك البروتوكول رغبة الفلسطينيين في تأسيس عملة نقدية مؤجلة، الأمر الذي أدى إلى حصر التداول بالشيكل الإسرائيلي والقليل من الدينار الأردني والنادر من الدولار الأميركي، وجعل البنك المركزي الإسرائيلي يدير تعاملاته مع الفلسطينيين كأنه بنك مركزي داخل أراضيهم، كما أنه تجاهل الآثار النقدية لنقل الأموال بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل، ولم يضع شروطاً تقييدية تلزم البنك المركزي الإسرائيلي بمبادلة الفائض من الشيكل في الأراضي الفلسطينية.
الضرائب المباشرة وغير المباشرة
تتأتى أهمية هذا القطاع من أدواره اللاحقة في توفير إيرادات معتبرة للموازنة الفلسطينية، يمكن توظيفها لتطوير البنى التحتية والقطاعات الخدماتية، وهو ما كان غائباً قبيل البروتوكول وبُعيد إعلان المبادئ، إذ كانت إسرائيل تُحدد التعريفات الجمركية والضريبية وفقاً لمصلحتها، وتحتفظ بعوائد الضرائب وجميع العوائد الجمركية لها، ونادراً ما كانت تستخدمها لتطوير وضع الفلسطينيين، وقد قدرت دراسات البنك الدولي حينها أن الضرائب المباشرة المجباة إسرائيلياً من فلسطينيي الضفة والقطاع تصل إلى 150 مليون دولار سنوياً، لم يوظف منها شيء لمصلحة الفلسطينيين.
نص البروتوكول على تشكيل دائرة ضرائب فلسطينية وعلى إمكان تحديد قيمة الضرائب المباشرة، والحصول على ضرائب عن رؤوس الأموال والدخل والاستثمار، والحصول على جميع الواردات الجمركية من البضائع المخصصة للأراضي تحت السلطة الفلسطينية، حتى لو تم استيرادها عن طريق وسيطٍ إسرائيلي، كما ضمن البروتوكول للسلطة صلاحية إدارة الضرائب وفرض ضريبة قيمة مضافة تتلاءم مع الاقتصاد الفلسطيني على أن تكون قريبة في نسبتها من الاقتصاد الإسرائيلي.
وعلى الرغم مما يقدمه البروتوكول من عوائد للميزانية الفلسطينية، فقد منح إسرائيل امتيازات كبيرة، إذ ترك لها سلطة التفتيش على البضائع عند مرورها على المعابر الإسرائيلية، وهو ما يعني فقدان الفلسطينيين القدرة على ضبط التسريبات الجمركية بين ضرائب الاستيراد المباشر وغير المباشر. وعلى صعيد الإيرادات الجمركية التي تجبيها إسرائيل للسلطة بحكم سيطرتها الكاملة على المعابر والموانئ والحدود وحركة التنقل التجاري، فإن البروتوكول أعطاها 3% منها كرسوم إدارة وتحصيل بدلاً من تمكين الفلسطينيين من جبايتها مباشرة، كما لم يراعِ الفروقات بين الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي، وألزم الجانب الفلسطيني بوحدة جمركية واحدة تقوم على سوقٍ مشتركة وتجارة حرة، وبتطبيق ضريبة قيمة مضافة لا تتجاوز نقطتين (15-16%) مقارنة بالضريبة الإسرائيلية التي تبلغ 17%، وفرض عليه الامتناع عن توقيع اتفاقيات اقتصادية لا تتوافق مع مصلحة الاقتصاد الإسرائيلي.
قطاع التأمين
افتتح هذا القطاع عصر التأمين في الأراضي الفلسطينية، الذي كان مغيباً ومرتبطاً بشركاتٍ إسرائيلية، وبالأوامر العسكرية ومن ضمنها الأمر رقم 677/1976 بشأن التعويض على مصابي حوادث الطرق الخاص بالضفة الغربية (يوازيه الأمر 544/1976 الخاص بقطاع غزة).
يؤسس البروتوكول لمأسسة عملية التأمين وتوحيدها بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتأكيد إلزاميتها، ويضع في يد السلطة الفلسطينية صلاحية الإشراف على شركات التأمين وترخيصها، وإنشاء الصندوق الفلسطيني لتعويض ضحايا حوادث الطرق في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنح الفلسطينيين إمكان الحصول على مبالغ التأمين الإسرائيلي بمثل ما يمكن للإسرائيليين الحصول على مبالغ التأمين الفلسطيني، وجعل بوالص التأمين الفلسطينية والإسرائيلية صالحة في مناطق الطرفين.
لكن البروتوكول أيضاً يلزم الفلسطينيين بتعويضٍ مسبق عن حوادث الطرق الواقعة من عربات غير مؤمنة ومسجلة فلسطينياً، حيث يُلزم صندوق التأمين الفلسطيني بتحويلٍ شهري لكل سيارة مؤمنة مقداره 30% من المبلغ المدفوع للصندوق الإسرائيلي من طرف مؤمِّن مسجل في إسرائيل، من دون أن يشمل ذلك الجانب الإسرائيلي، كما أتاح لشركات التأمين الإسرائيلية صيغة قانونية لمحاكمة شركات التأمين الفلسطينية في المحاكم الإسرائيلية في القدس، من دون أن ينطبق ذلك على الشركات الإسرائيلية.
قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة
كانت هذه القطاعات تعاني تراجعاً كبيراً نتيجة الأوامر العسكرية الإسرائيلية بُعيد 1967 التي وُضعت بهدف التحكم المباشر بمنح التصاريح ورخص البناء ورخص الاستيراد والتصدير، وفرض ضرائب على التجّار والمنشآت الاقتصادية، كما وضعت يدها على مصادر المياه وقيدت حفر الآبار وحرية اختيار المحاصيل لزراعتها، فيما شددت الرقابة على الصناعات ومستلزماتها، وعرقلت نموها الطبيعي من خلال الرفض المتكرر لترخيص مصانع فلسطينية جديدة، وارتفاع أسعار الأراضي بفعل محدوديتها نتيجة المصادرة الإسرائيلية للأرض الفلسطينية، وغياب البنى التحتية الداعمة والنظام المصرفي القادر على الإقراض والتسليف، كما كان قطاع السياحة حكراً على الشركات الإسرائيلية التي تحظى بحرية التنقل الكامل بين المعابر والحدود والمناطق الفلسطينية والإسرائيلية، ولديها مستوى خدمات سياحية متطور.
في المقابل، أتاح البروتوكول تطوير هذه القطاعات في ضوء ما يتيحه الاستيراد والتصدير من مواد ومنتوجات، بالإضافة إلى مواد البروتوكول التي تنص على رفع مستوى التعاون في هذه القطاعات مع الاقتصاد الإسرائيلي، فتتيح تقديم لقاحات ومبيدات للمزارعين، ومناطق صناعية مشتركة للصناعيين، وتعاوناً سياحياً مع القطاع الإسرائيلي. كما نص البروتوكول على إنشاء مؤسسات رسمية لم يُتح تأسيسها من قبل مثل هيئة السياحة والآثار التي تُدير المسائل السياحية في المناطق الفلسطينية، ووزارة الزراعة التي تقوم على تعزيز التعاون الزراعي الإقليمي وفتح الأسواق للمنتوجات الزراعية، ووزارة الصناعة التي توفر خدمات خاصة للصناعيين وتعمل على تسهيل التجارة الخارجية والداخلية لإنتاجهم.
لكن على الصعيد نفسه تجاهل البروتوكول الوضع القائم لقطاعات الصناعة والزراعة والسياحة، وحدد قيوداً خاصة فيما يتعلق باستيراد بعض المعدات والأجهزة التي تسمح بإنماء قطاعي الصناعة والزراعة. ويقضي البند 13 من المادة 8 بـالامتناع عن "استيراد منتوجات زراعية من طرف ثالث قد تمس بمصالح مزارعي الطرف الآخر"، وهو ما يعني عملياً أن البروتوكول قد قدم مصلحة المزارعين الإسرائيليين على أي مصلحة أُخرى. كما ترك البروتوكول للجانب الإسرائيلي وضع قيود على تصدير المنتوجات الزراعية الفلسطينية إلى إسرائيل على مستوى النسب وبعض الأنواع، من دون أن يتوفر ذلك للجانب الفلسطيني الذي تُرك المزارع فيه وحيداً أمام منافسة المنتوجات الإسرائيلية، إذ تحدد إسرائيل الكميات المسموح بتصديرها من البيض والطيور الداجنة وبعض أنواع الفواكه لحماية منتجيها، وفي المقابل لا يوجد قيود على الفاكهة والخضروات الإسرائيلية لحماية المزارعين الفلسطينيين.
أمّا القطاع السياحي الفلسطيني فإن استمرار السيطرة الإسرائيلية على المعابر والحدود وفقاً للبروتوكول يُعد أهم عائق له، بالإضافة إلى ترك سلطة التصريح بالدخول والخروج للجانب الإسرائيلي، وغياب مدينة القدس أبرز موقع سياحي عن السيطرة الفلسطينية. ومع أن البروتوكول أشار إلى مسؤولية كل جانب عن حماية وحراسة المواقع الأثرية والتاريخية والدينية والثقافية الواقعة تحت ولايته وعدم مساس الطرف الآخر بها، إلاّ إن استمرار المساحة الكبرى للضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر ترك كثيراً من المواقع السياحية الفلسطينية تحت سلطة الدوائر السياحية الإسرائيلية، وحرم تالياً الفلسطينيين الانتفاع من عوائدها.
قطاع العمل
كان قطاع العمل مستلباً بشكل شبه كامل، خاضعاً للسيطرة الإسرائيلية في إثر برنامجٍ رسمي أطلقته إسرائيل سنة 1968 اعتمد على رفع أجور العمال الفلسطينيين في إسرائيل مقارنة بالأجور في الضفة والقطاع بما يقارب الـ 80%، وتخفيف القيود الأمنية على انتقال العمال، وإنشاء مناطق صناعية إسرائيلية متاخمة للمناطق الفلسطينية يُنتج بها العمال الفلسطينيون بضائع إسرائيلية، وهو ما ساهم في خفض نسبة البطالة في المناطق الفلسطينية من 15% إلى ما يقارب 2-4% حتى سنة 1990، وبلغ عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل ومستوطناتها نهاية سنة 1992 أكثر من 116 آلاف عامل.
والحقيقة أن هذا لم يتغير بدرجةٍ كبيرة بعد توقيع البروتوكول بل بقيت إسرائيل تتحكم في تدفق أعداد الفلسطينيين العاملين لديها، لكن أضحى بإمكان العمال الفلسطينيين الحصول على التأمين الاجتماعي الإسرائيلي، كما تحصل السلطة الفلسطينية على نسبةٍ من ضريبة دخل العمال تستخدمها – وفق البروتوكول- للمنفعة الاجتماعية والخدمات الصحية للعمال، وهو ما يوفر لهم تأميناً صحياً فلسطينياً. لكن البروتوكول أغفل إلزام الجانب الإسرائيلي بالحفاظ على اعتيادية الحركة وحق الفلسطينيين في العمل، بينما سمح بتعليق عملهم موقتاً من دون توضيح المدى الزمني لمعنى موقت، كما استثنى البروتوكول العمال الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية من الانضواء تحت القوانين التي تضمن حصولهم على تأمين صحي أو اجتماعي، وترك للمحاكم الإسرائيلية حرية تقرير ما تراه مناسباً من استقطاع لأجور العمال ومخصصات تقاعدهم المحولة إلى السلطة إذا ما وجدت أن الأموال غير قانونية.
خاتمة
في ضوء ما سبق، وبالنظر إلى ما عالجه البروتوكول فإن تقييماً لدوره الممكن في إطلاق اقتصاد فلسطيني مستقل وقوي، أو لكونه شكلاً آخر من أشكال التبعية والسيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار القيود التي تضمنها البروتوكول والتي حدّت منذ البداية المحاولة الفلسطينية لتحقيق انطلاقة للاقتصاد الفلسطيني، ولجعله منفتحاً على التجارة الخارجية، ولربط الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن اقتصاد واحد. ويظهر جلياً أن البروتوكول لم يكن سوى ملحقاً لاتفاق أوسلو ومحكوماً بسقفه الذي لا يقدم للفلسطينيين أكثر من "حكمٍ ذاتي محدود".
بالإضافة إلى ذلك فإن عوامل متعددة خفضت هذا السقف بدرجةٍ كبيرة، مثل الوضع الاقتصادي الفلسطيني الهش المتراكم منذ سنة 1967 والذي أفرز تبعية اقتصادية مسبقة ومتواصلة مع إسرائيل، والغياب المسبق للمؤسسات الاقتصادية الفلسطينية الحكومية اللازمة لتطبيق بنود البروتوكول وما يرتبط بها من أنظمة وقوانين، في مقابل سيطرة إسرائيلية كاملة على المعابر والحدود والأرض ومصادر المياه والطاقة، وتفوقٍ في مختلف القطاعات التجارية والاقتصادية، وخبرة تنافسية متراكمة على الأصعدة الدولية والإقليمية الاقتصادية، وهو ما ترك المكاسب الفلسطينية محدودة وتزدادُ تضاؤلاً بازدياد التجاوز الإسرائيلي لبنود البروتوكول وتطويعه بما يخدم استمرار سياسته الكولونيالية وسيطرته على الأرض ومواردها.
في المحصلة، يمكن القول إن البروتوكول ساهم في تحقيق قفزةٍ إيجابية في الاقتصاد الفلسطيني على مختلف المستويات، ولا شك في أن العديد من بنوده قدمت مساحات أكبر للفلسطينيين من ذي قبل، لكنه أيضاً لم يخرجهم من عباءة الاقتصاد الإسرائيلي وسيطرته، ولم يؤسس لاقتصادٍ قوي قادرٍ على النمو والتطور والانفتاح بمثل ما أسس لإدارة مدنية فلسطينية داخل فقاعة السيطرة الإسرائيلية الشاملة المتحكمة في جميع المفاصل والقطاعات، والقادرة على تحجيم اقتصاد الفلسطينيين وأحلامهم بسرعة وسهولة ومن دون تبعات تذكر.
الشعيبي، هالة. "بروتوكول باريس الاقتصادي: مراجعة الواقع التطبيقي" رام الله: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، 2013.
العبد، جورج (مقابلة مع جورج ت عبد). "تنمية الاقتصاد الفلسطيني". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 19 (صيف 1994).
الكرد، ماهر وصبري يعاقبة وإسلام ربيع. "العمالة الفلسطينية في إسرائيل: اتجاهاتها ودوافعها وتأثيراتها." رام الله: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، 2024.
الموسى، شريف ومحمود الجعفري، "السلطة والتجارة: البروتوكول الاقتصادي الإسرائيلي – الفلسطيني". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 21 (شتاء 1995).
Bannister, Geoffrey J. and Ulric Erickson von Allmen, “Palestinian Trade: Performance, Prospects and Policy.” In Rosa Valdivieso et al. West Bank and Gaza: Economic Performance, Prospects and Policies. Washington, D.C.: International Monetary Fund, 2001.
Naqib, Fadle. Economic Relations Between Palestine and Israel During the Occupation Era and The Period of Limited Self-Rule. Canada: University of Waterloo, 2015.
Palestine Economy Portal. "We have the right to open a bank in Israel: Get surprised by terms from the Paris Protocol".
Samhouri, Mohammed. “Revisiting the Paris Protocol: Israeli-Palestinian Economic Relations,1994-2014.” Middle East Journal, vol. 70, no. 4 (Autumn 2016): 579-607.
محتوى ذو صلة
دبلوماسي اقتصادي - اجتماعي
توقيع منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل على بروتوكول العلاقات الاقتصادية، باريس
1994
29 نيسان 1994