جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
الفلسطينيون في السلفادور
جالية مزدهرة، إنما غير مسيّسة

على غير المتوقع، تُعدّ السلفادور، إحدى أصغر دول أميركا الوسطى، موطناً لثالث أكبر جالية فلسطينية في أميركا اللاتينية، بعد تشيلي وهندوراس المجاورة لها. وقد كانت الفرص التي وفَّرها اقتصادها غير المتنوعٍ السبب الرئيسي في جذب الوافدين الجدد إليها، وخصوصاً من بيت لحم، بدءاً من سنة 1880. وبالمقارنة مع دولٍ أكبر مثل الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا والمكسيك التي استقر فيها المهاجرون اللبنانيون والسوريون، لم تكن توجد في السلفادور طبقة تجارية عربية راسخة، ولم يكن لقطاعها التجاري وزن يُذكر.

في القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان اقتصاد السلفادور قائماً على نظام زراعي شبه إقطاعي تهيمن عليه الصادرات الزراعية. وكانت الأراضي الزراعية في يد نخبة صغيرة من مُلاك الأراضي تُعرف باسم "لاس كاتورسي" (las catorce)، في إشارةٍ إلى أربع عشرة عائلة تملك القسم الأكبر من الأراضي الصالحة للزراعة. ولم يواجه الفلسطينيون في السلفادور منافسة تُذكر في ترسيخ حضورهم في قطاع تجارة التجزئة. فقد لبوا حاجات السكان في المناطق الحضرية الناشئة، وتمكنوا من جمع ثروات أوصلتهم إلى أعلى مراتب السلطة السياسية مع انتخاب رئيسين للجمهورية من أصل فلسطيني حتى الآن.

الهجرة الفلسطينية إلى السلفادور

كانت الأغلبية العظمى من الفلسطينيين الذين هاجروا إلى السلفادور في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين من المسيحيين القادمين من مدينة بيت لحم وقريتي بيت جالا وبيت ساحور المجاورتين لها. وكان كثير منهم في الأصل حرفيين يبيعون الهدايا التذكارية المصنوعة من خشب الزيتون أو الصدف لزوار الأراضي المقدسة. وقد أتاح التعليم في مدارس بيت لحم التبشيرية والتفاعل مع الزوار الأجانب للعديد منهم اتقان عدة لغات، وهو ما مكّنهم بعد هجرتهم، إلى جانب مهاراتهم الحرفية، من التحوّل إلى بيع الحرف اليدوية الدينية للسكان الكاثوليك في السلفادور.

اعتمد المهاجرون لكسب رزقهم على التجارة؛ بدأوا كباعة متجولين قبل أن يصيروا أصحاب متاجر ومصانع. ويمكن وصف المغتربين الفلسطينيين في السلفادور (وفي أميركا اللاتينية بصورة عامة) بأنهم شتات أبناء بيت لحم وجوارها. إذ يبلغ عدد الذين تعود أصولهم إلى بيت لحم في السلفادور اليوم نحو أربعة أضعاف عدد سكان بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، ويُقدر عددهم بنحو 100.000 في مقابل 25.000.

بدأت موجة الهجرة في عهد السلطنة العثمانية، في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وهذا ما أدى إلى إطلاق لقب "الترك" أو "الأتراك" (los turcos) على المهاجرين الجدد، ‏وهو وصف، عدا عن كونه غير دقيق، مهين ويحمل في طياته مفارقة نظراً إلى أن هؤلاء المهاجرين العرب كانوا يفرون من الاضطهاد العثماني (وبالتالي التركي). استمرت الهجرة في ظل حكم حركة تركيا الفتاة وبلغت ذروتها سنة 1910، في إثر تطبيق قانون التجنيد العسكري على غير المسلمين، وهو ما دفع العديد من العائلات المسيحية إلى إرسال أبنائها المطلوبين للتجنيد إلى الأميركتين لتجنب الخدمة الإلزامية، وتكرر ذلك خلال الحرب العالمية الأولى للأسباب نفسها.

لم يكن معظم هؤلاء المهاجرين الأوائل ينوون الاستقرار في السلفادور، فقد اشتروا تذاكر سفر إلى الولايات المتحدة، ولم تكن أميركا اللاتينية سوى نقطة عبور في رحلتهم. لكن عند وصولهم إلى ميناء إحدى دول أميركا الجنوبية أو منطقة البحر الكاريبي (مثل كولومبيا أو كوبا أو جمهورية الدومينيكان أو هايتي)، قيل لهم إنهم وصلوا إلى وجهتهم النهائية وأُجبروا على النزول. كما أن مجموعة منهم وصلت إلى السلفادور عن غير قصد نتيجة قوانين الهجرة السارية في أماكن أُخرى في الأميركتين.

قبل الحرب الأهلية الأميركية، كانت الهجرة إلى الولايات المتحدة غير منظمة إلى حد كبير. لكن بعد سنة 1876، تزامَن فرض قيود على الهجرة إلى الولايات المتحدة، بدءاً بالمهاجرين الصينيين ثم من جنسيات أُخرى، مع اعتماد قوانين هجرة في هندوراس أكثر تساهلاً. وعلى الرغم من أن هذه القوانين كان هدفها تشجيع الهجرة من أوروبا والولايات المتحدة، فإنها جعلت من هندوراس – وبالتالي من أميركا الوسطى - وجهة رئيسية للهجرة الفلسطينية. استقر المهاجرون على ساحل المحيط الأطلسي، وخصوصاً في سان بيدرو سولا، فيما انتقل بعضهم إلى السلفادور. لكن في وقت لاحق، صارت قوانين الهجرة في هندوراس أكثر تشدداً نتيجة ردات الفعل السلبية للسكان الأصليين تجاه الوافدين الجدد، وهو ما دفع عدداً أكبر من الفلسطينيين للانتقال من هندوراس إلى السلفادور.

في السلفادور، اكتسب الوافدون الجدد سمعة (سلبية في الغالب) لبراعتهم في التجارة، الأمر الذي أثار موجة من الكراهية تجاههم كأجانب ومطالبات من مجتمع الأعمال الكريولي بتقييد هجرتهم. في سنة 1921، صنَّفت السلفادور العرب والصينيين على أنهم من الأعراق "الضارة". وعمّق الكساد الكبير سنة 1929 من عداء السكان الأصليين للشركات التي يملكها مهاجرون وللعمال المهاجرين الذين ينافسونهم في سوق العمل على الوظائف القليلة.

في سنة 1933، أصدر الديكتاتور ماكسيميليانو هيرنانديز مارتينيز ((Maximiliano Hernández Martínez قراراً يمنع جميع الأفارقة والآسيويين من الهجرة إلى البلد. وأشير في هذا القرار تحديداً إلى "المهاجرين الجدد من شبه الجزيرة العربية، ولبنان، وسورية، وفلسطين، وتركيا، المعروفين عموماً باسم الأتراك." وكان هذا الديكتاتور قد نفذ، قبل عام، حملة إبادة جماعية لقمع انتفاضة ريفية شارك فيها مزارعون محرومون من الأرض وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف منهم. وبهذا القانون أنهت السلفادور رسمياً الهجرة الجديدة من فلسطين، في خطوة عكست توجهات مماثلة لفرض قيود على الهجرة على أساس الجنسية في دول أُخرى من نصف الكرة الأرضية الغربي.

أدت التطورات في فلسطين إلى فرض مزيد من القيود على حرية التنقل، حتى قبل قيام دولة إسرائيل. ففي ظل الحكم العثماني، كانت الهجرة في الاتجاهين بين فلسطين والأميركتين أمراً شائعاً. أمّا تحت الانتداب البريطاني، فقد أقرّت السلطات الاستعمارية جنسية فلسطينية رسمية في سنة 1925، وفرضت قيوداً جديدة على منح التأشيرات للمغتربين. لم يتمكن كثير من الفلسطينيين المقيمين في الأميركتين من الحصول على الوثائق اللازمة لإثبات جنسيتهم أو إقامتهم القانونية وهو ما جعلهم عديمي الجنسية. ثم في سنة 1948، أنهى قيام إسرائيل الجنسية الفلسطينية القانونية، الأمر الذي جعل الهجرة الفلسطينية ذات اتجاه واحد. ولم يعد ممكناً لكثير من المهاجرين أن يحققوا حلمهم بالعمل فترة محددة لتوفير المال في المهجر ثم العودة للتقاعد في فلسطين. وقد دفع فقدان خيار العودة، إلى جانب التمييز ضد العرب في الدول المضيفة، الفلسطينيين نحو الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة. فتزوجوا، مع الوقت، من خارج الجالية، وتحدثوا الإسبانية وحدها، وحرَّفوا أسماءهم لتتلاءم مع النطق الإسباني.

وقد استقرت عائلات بارزة في العاصمة سان سلفادور وفي مدينة سونسوناتي، فضلاً عن سان ميغيل وسانتا آنا ولايونيون وأوسولوتان. ومن أبرز تلك العائلات: بحية، وبركة، وأبو كيلة، ودبدوب، وجاد الله، وحنانيا، وحنضل، وحزبون، وحريزي، وجاسر، وقطان، وخوري، وناصر، وسعادة، وسقا، وصافي، وسلوم، وسمّور، وزيدان، وسمعان، وسعدي، وزبلح. وقد بنت هذ العائلات ثروتها في البداية من تجارة الملابس بالتجزئة، ثم توسعت إلى مجالات المصارف والبناء والأثاث والبقالة والأدوية والمنسوجات والتبغ. وفي القرن الحادي والعشرين، دخل بعضها أيضاً مجال الإعلان والعلاقات العامة.

وقد حظيت شركات ناشئة أولى بدعم جمعيات رجال الأعمال الفلسطينيين، وإمكان الحصول على قروض بفائدة ميسَّرة من الجالية. ولم ينافس الفلسطينيون الأوليغارشية الراسخة التي كانت تهيمن على قطاع الأعمال الزراعية؛ إذ لم تكن لديهم لا الإمكانات ولا الرغبة في شراء مساحات شاسعة من الأراضي لزراعتها. ولذلك، دخلوا قطاعات اقتصادية أًخرى مثل التجارة بالتجزئة والخدمات المصرفية، وهي قطاعات تركتها العائلات الأربع عشرة المهيمنة متاحة أمام الوافدين الجدد.

المشاركة في الحياة السياسية

يُعرف المجتمع الفلسطيني في السلفادور بميوله المحافظة سياسياً. وهو ما يعكس استمرار تركُّز أفراده بصورة شبه حصرية في قطاع الأعمال. وعلى خلاف التجربة الفلسطينية في تشيلي، حيث وظف رجال الأعمال الفلسطينيون نجاحهم التجاري للولوج إلى مجالات مهنية أُخرى كالقانون والطب والإعلام والأوساط الأكاديمية، فإن محدودية النظام التعليمي في السلفادور جعلت المسار المهني المفضل للعائلات الفلسطينية هو الحفاظ على الأعمال العائلية وتوسيعها.

ومع ذلك، لم تكن هذه الميول اليمينية سائدة على نحو مطلق. فمن بين السلفادوريين الفلسطينيين البارزين المنتمين إلى اليسار، شفيق حنضل، القائد العسكري لجبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني (FMLN)) وهي حركة يسارية مسلحة (ستتحول إلى حزب سياسي سنة 1992). ومن الأسماء اليسارية الأُخرى هاتو حزبون، الثائر السابق ووزير التربية لاحقاً، وهيكتور سمور، عميد جامعة أميركا الوسطى والمقرَّب من رئيس الأساقفة أوسكار روميرو الذي أدى اغتياله سنة 1980 على يد فصيل عسكري يميني متطرف إلى اندلاع الحرب الأهلية.

دامت الحرب الأهلية في السلفادور أكثر من عشر سنوات، قدمت الولايات المتحدة خلالها، وفي ظل الحرب الباردة على الصعيد العالمي، دعماً واسعاً للحملة التي قادتها الحكومة على المقاتلين اليساريين بقيادة حنضل. وضمن هذا السياق، تفاعلت أوساط قطاع الأعمال بفتور مع النزعة القومية الفلسطينية بسبب الربط الذي أقيم بين هذه الأخيرة من جهة، وبين الحركات اليسارية المحلية، مثل جبهة فارابوندو مارتي، وحكومات غير موالية للولايات المتحدة مثل حكومتي نيكاراغوا وكوبا، من جهة أُخرى. وهكذا لم تتمكن منظمة التحرير الفلسطينية من تحقيق حضور يُذكر في السلفادور.

وقد وصل إلى سدة الرئاسة شخصيتان يمينيتان، من أصول فلسطينية، هما طوني سقا ونجيب بوكيله، كما ترأس خافيير سمعان أكبر جمعية لرجال الأعمال في السلفادور. ومن الجدير بالذكر أن منافس طوني سقا خلال الحملة الرئاسية سنة 2004، كان فلسطينياً آخر، هو شفيق حنضل.

أمّا الرئيس نجيب بوكيله الذي انتُخب سنة 2019، فيمثل الجالية الفلسطينية من بعض الجوانب، ويتعارض معها من جوانب أًخرى. فجداه وهما مسيحيان فلسطينيان من بيت لحم والقدس هاجرا في أوائل القرن العشرين حين كانت فلسطين خاضعة للحكم العثماني. وقد خاض نجيب العمل السياسي بعد مسيرة مهنية في مجال الأعمال ورثها عن والده الراحل أرماندو بوكيله قطّان، الذي كان رجل أعمال ناجحاً درس الكيمياء الصناعية، ثم أسّس شركات في مجالات صناعة الأدوية والمنسوجات والإعلام.

برز أرماندو بوكيله قطان لاهتمامه بالدين والسياسة. فقد وُلد لأبوين مسيحيين لكنه اعتنق الإسلام. وكان من المسلمين القلائل في الجالية الفلسطينية وفي السلفادور عموماً. بنى أربعة مساجد بدءاً من سنة 1992، أي في نهاية الحرب الأهلية. وتولى إمامة الجماعة الإسلامية في السلفادور التي أسسها. وعلى خلاف الميول السياسية اليمينية السائدة بين أبناء الجالية، كان أرماندو يميل إلى اليسار من أبرز المتبرعين لجبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني التي تحولت بعد الحرب الأهلية إلى حزب سياسي كان ابنه نجيب منتمياً إليه في بداياته السياسية.

يقول نجيب بوكيله إنه لم يشعر يوماً بأن أصوله الفلسطينية شكلت عائقاً في مسيرته السياسية. وقد صرح في إحدى المقابلات "لا يزعجني أن يصفني البعض بالتركي، مع أنني أعلم أن بعضهم ما زال يستخدم هذه الكلمة بنبرة مهينة." وقد حاول خصومه استغلال هذا الأمر في حملاتهم الانتخابية، من دون أن ينجحوا في ذلك. وانتشرت شائعات تقول إنه "مسلم في السر" بعد نشر صور له وهو يصلي في مسجد بمدينة مكسيكو سيتي، وهو ما نفاه بوكيله الذي يُعرّف نفسه تارة بأنه كاثوليكي وتارة بأنه لاأدري (agnostic)، موضحاً أن والده اعتنق الإسلام وهو راشد.

بلغت حملة التشهير التي شنّها خصمه اليميني ضدّه، بزعم الكشف عن "إسلامه في السر"، حداً من المبالغة أضفى عليها طابعاً هزلياً، إذ تضمّنت صورة مُركبة لبوكيلي وهو يرتدي ما وصفته الدعاية الانتخابية بأنه "زي إسلامي"، ليتضح لاحقاً أن الصورة التُقطت له في حفلة تنكرية، وهو يرتدي زيّ فارس جيدي من سلسلة أفلام "حرب النجوم".

تعكس المسيرة السياسية لبوكيله التباين في مواقف أبناء الشتات الفلسطيني من القضية القومية الفلسطينية. فإلى جانب النأي بنفسه عن معتقدات والده وميوله السياسية، زار بوكيله القدس بصفته رئيس بلدية سان سلفادور لحضور مؤتمر دولي لرؤساء البلديات. واعتبرت الصحافة الفلسطينية تلبيته الدعوة إلى المؤتمر محاولة لنزع الشرعية عن "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" على إسرائيل. صلى خلال زيارته عند الحائط الغربي، وزار متحف ياد فاشيم للهولوكوست، وأشار إلى الأصول اليهودية السفاردية لزوجته في لقاء مع نظيره الإسرائيلي. لكنه لم يزر أي مسؤول فلسطيني في الضفة الغربية، على الرغم من أنه استقبل رئيسة بلدية بيت لحم فيرا بابون عندما قامت بزيارة ودية إلى سان سلفادور، من دون أن تحظى الزيارة باهتمام إعلامي يُذكر.

وبعد انتخابه رئيساً، شدد بوكيله مواقفه المؤيدة لإسرائيل؛ إذ أعرب على منصة إكس عن صدمته في إثر هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مع إشارته إلى هويته الفلسطينية. وتجمع بوكيله علاقات ودِّية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على خلاف معظم قادة أميركا اللاتينية. لكنه لا يُعد استثناء في علاقاته الوثيقة مع إسرائيل، وهو توجه حافظ عليه جميع رؤساء السلفادور في إطار حرصهم على كسب رضا الولايات المتحدة والتقرب من ناخبي الطائفة الإنجيلية المسيحية المتنامية والتي بات حجمها اليوم مقارباً لحجم طائفة الكاثوليك في السلفادور.

أثبت كل من بوكيله وسقا وحنضل وسيمان وغيرهم أن الهوية الفلسطينية لا تشكل عائقاً أمام الوصول إلى أعلى المراتب السياسية في بلد كان ذات يوم خاضعاً لسيطرة أوليغارشية شديدة الانغلاق. غير أن هذا النجاح الذي حققه الفلسطينيون كأفراد لم يُترجم إلى حضور أو تأثير ملموس للقضية الفلسطينية في المجال السياسي. فعلى الرغم مما حققته الجالية الفلسطينية في السلفادور من نجاح اقتصادي وسياسي لافت، فإن هذا النجاح بقي معزولاً تماماً عن مسائل القومية أو السياسات الفلسطينية أو العلاقات الخارجية. وعلى خلاف تشيلي، حيث يحظى دعم إقامة الدولة الفلسطينية بإجماع حزبي واسع يتجاوز نطاق الجالية الفلسطينية نفسها، ترتبط السلفادور بعلاقة خاصة ووثيقة مع إسرائيل. وقد تعززت هذه العلاقة خلال الحرب الأهلية التي شهدها البلد بين سنتي 1980 و1992، حين كانت إسرائيل تزود حكومة السلفادور بنحو 83% من وارداتها من السلاح.

وكانت السلفادور الدولة الوحيدة (إلى جانب كوستا ريكا) التي أعادت نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس سنة 1984 (والتي كانت قد أخلتها في صيف سنة 1980 في إثر ردات الفعل الدولية على قيام الكنيست بسن قانون أساسي بشأن القدس). كما كانت الدولة الأخيرة التي نقلت سفارتها ثانيةً إلى تل أبيب سنة 2006 خلال فترة رئاسة طوني سقا، وذلك قبل أن يقرر الرئيس ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس في أواخر سنة 2017.

التعبيرات الثقافية والتأييد الشعبي

نتيجة التمييز الذي طال المهاجرين من أصول "تركية" كما كانوا يُسمون، عمدت الأجيال الأولى من المهاجرين إلى إخفاء هويتها الفلسطينية والعربية ولم تبدأ هذه الهوية تظهر إلى العلن إلاّ في السنوات الأخيرة، وغالباً من خلال الثقافة والمطبخ. وتنتشر في العاصمة عدة مطاعم تقدم الكباب والبقلاوة، وتُسوّق هذه الأطباق عادةً تحت مسمى "مأكولات عربية". كما تتولى الجمعية السلفادورية الفلسطينية تنظيم مهرجان المأكولات العربية وغيره من الفعاليات الاجتماعية المماثلة.

وقد تأسس النادي العربي السلفادوري في أربعينيات القرن الماضي في واحد من أغنى أحياء العاصمة كنادٍ رياضي (خُصص في البداية لكرة السلة) وبديلٍ عن الأندية الخاصة التي كانت آنذاك ترفض ‏السماح بانضمام ذوي الأصول العربية أو دخولهم إليها. وفي سنة 2024، وبعد ثماني سنوات من التحضير، افتُتح في مبنى النادي العربي متحف فلسطين في أميركا اللاتينية بمبادرة من الجمعية السلفادورية الفلسطينية. ويضم المتحف معروضات تشمل الأزياء التقليدية الفلسطينية، وغرفة معيشة على الطراز الشعبي، وسجادة قديمة، وآلات موسيقية من المنطقة كالعود والرق، ومنسوجات، وحرفاً يدوية من خشب الزيتون، وطقماً لتقديم القهوة، وطاولة شيش بيش (طاولة زهر)، وتحفاً دينية مسيحية وإسلامية، بالإضافة إلى معرض يوثق أحداث النكبة. وقد تبرع بالعديد من القطع مركز التراث الفلسطيني في بيت لحم الذي ينتمي مديره إلى عائلة الرئيس السلفادوري السابق أنطونيو سقا.

توجد في العاصمة سان سلفادور بعض المعالم العامة التي تعبِّر عن الهوية الوطنية الفلسطينية، من بينها ساحتان؛ الأولى هي ساحة فلسطين التي أثارت انتقادات لعرضها خريطة لفلسطين التاريخية تعود إلى فترة الانتداب البريطاني ما قبل سنة 1948؛ والثانية حديقة ياسر عرفات التي نُصب فيها تمثال نصفي لزعيم منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما أثار غضب إسرائيل ودفعها إلى سحب سفيرها من السلفادور احتجاجاً.

ومؤخراً، تأسست اللجنة السلفادورية للتضامن مع فلسطين برئاسة سهير بركة بندك، وهي من بين قلة من المغتربين الفلسطينيين البارزين الذين هاجروا بعد سنة 1948. جاءت سهير بركه بندك من بيت لحم بعد زواج مدبَّر من أحد أبناء عائلة السعدي السلفادورية الفلسطينية المعروفة في مدينة سونسوناتي.

وعقب اندلاع الحرب في غزة سنة 2023 نُظمت تظاهرات شعبية محدودة تضامناً مع أهالي القطاع امتزجت فيها التعبيرات السياسية والثقافية والدينية؛ ففي إحدى هذه التظاهرات التي نُظمت في يوم الجمعة العظيمة سنة 2024، سار المتظاهرون في الوسط التاريخي للعاصمة تحت لافتة كُتب عليها: "يسوع وُلد في فلسطين"، وعرضوا سجادة كبيرة تُصوِّر يسوع على الصليب.

وأتاح افتتاح السفارة الفلسطينية في السلفادور سنة 2018 دعماً مؤسساتياً محدوداً للنشاط السياسي. ومع ذلك، ما زالت معظم تعبيرات الهوية الفلسطينية في السلفادور غير مسيَّسة وتقتصر إلى حد كبير على المجال الثقافي، وهو ما أشارت إليه رئيسة بلدية بيت لحم فيرا بابون خلال زيارتها للسلفادور سنة 2017، إذ انتقدت الجالية الفلسطينية ‏في مقابلة مع موقع "إل فارو" الإخباري، قائلةً: "بإمكان الجالية الفلسطينية أن تقدم لفلسطين أكثر بكثير مما تفعل اليوم."

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2025/09/14
E.g., 2025/09/14

يرجى محاولة عملية بحث جديدة. لا يوجد أي نتائج تتعلق بمعايير البحث الحالية. هناك العديد من الأحداث في التاريخ الفلسطيني والجدول الزمني يعمل جاهدا لالتقاط هذا التاريخ.