جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
تركيا وقضية فلسطين
سياسة حائرة بين الولاء للغرب والاعتبارات الإقليمية والهوية

وُلدت تركيا الحديثة من رحم الإمبراطورية العثمانية المهزومة، وتحولت السلطنة إلى جمهورية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1923، وشهدت ثورة ثقافية حولت توجهها من العالم الإسلامي إلى الغرب. ومع ذلك، لم تنأَ تركيا الجمهورية في عهد كمال أتاتورك بنفسها عن الشرق الأوسط. فقد كانت إحدى الدول التي وقعت حلف سعد آباد سنة 1937 بين أفغانستان وإيران والعراق وتركيا والذي هدف إلى إقامة علاقات عدم اعتداء بين دوله. وفيما يتعلق بفلسطين، أبدت تركيا في وقت مبكر اهتماماً بالشؤون الفلسطينية مع افتتاح قنصلية في القدس سنة 1925. ويفيد أرشيف وزارة الخارجية التركية أن القناصل الأتراك أولوا اهتماماً كبيراً بما يحدث في فلسطين وكانوا يبلغون أنقرة بالتطورات أولاً بـأول. يتناول هذا المقال السياسة الخارجية التركية تجاه إسرائيل وفلسطين منذ تبني الأمم المتحدة خطة التقسيم سنة 1947 وحتى الوقت الحاضر.

عندما طُرحت خطة التقسيم للتصويت في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، صوتت تركيا ضدها إلى جانب الدول العربية. ثم انضمت إلى الولايات المتحدة وفرنسا كعضو في لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين (UNCCP) التي أُنشئت بموجب القرار رقم 194 في كانون الأول/ ديسمبر 1948. وكُلفت لجنة التوفيق هذه بمساعدة الأطراف على التوصل لتسوية نهائية لجميع المسائل العالقة بينها، بما في ذلك ترسيم الحدود والقدس واللاجئين الفلسطينيين. ويظهر هذا الدور الاهتمام التركي بفلسطين واعتراف المجتمع الدولي بتركيا وسيطاً نزيهاً.

إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل

اعترفت تركيا بدولة إسرائيل في آذار/ مارس 1949 وافتتحت بعثة دبلوماسية في تل أبيب بعد ذلك بوقت قصير. وجاءت خطوة أنقرة في سياق سياسة خارجية مؤيدة لأميركا بعد أن قررت أن الدولة الجديدة لا ميول لديها على ما يبدو مؤيدة للاتحاد السوفياتي. وفي سنة 1952 انضمت تركيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وانتهجت سياسة خارجية مؤيدة للغرب خلال الحرب الباردة. وفي سنة 1955، وقعت حلف بغداد إلى جانب إيران والعراق وباكستان والمملكة المتحدة.

وفي هذا السياق، كانت تركيا واحدة من الدول والشعوب غير العربية في محيط الشرق الأوسط (تركيا وإيران وأكراد العراق وإثيوبيا) التي أقامت معها إسرائيل علاقات سرية. وتمت الإشارة إلى هذه العلاقة باسم ’التحالف المحيطي’. تضمنت العلاقات الإسرائيلية التركية تعاوناً عسكرياً واقتصادياً، وأسفرت عن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي دافيد بن- غوريون إلى أنقرة سنة 1958.

ومع ذلك، انتقدت تركيا موقف إسرائيل العدائي تجاه العرب خلال حرب السويس سنة 1956 وخفضت مستوى تمثيلها في تل أبيب، كما أدانت إسرائيل في حرب حزيران/ يونيو 1967. والأهم من ذلك أن تركيا لم تسمح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها لتزويد إسرائيل بالأسلحة في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، بينما سمحت في المقابل للاتحاد السوفياتي باستخدام المجال الجوي التركي لإيصال الأسلحة إلى مصر وسورية.

علاقات تركيا مع الفلسطينيين

بعد إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964، أصبح الفلسطينيون فاعلين كاملين على مسرح العلاقات الدولية. وكانت تركيا في ذلك الحين مهتمة بالحصول على دعم الدول العربية في سياساتها تجاه قبرص، ولذلك اعتمدت تركيا سياسة الانفتاح في الستينيات والسبعينيات تجاه الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث. وفي سنة 1969، انضمت إلى منظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسست كردة فعل على قيام صهيوني متدين من أصول أسترالية بإشعال حريق في المسجد الأقصى، وصوتت مع الدول العربية على قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الصادر سنة 1975، والذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية. (عندما ألغت الجمعية العامة هذا القرار في سنة 1991، امتنعت تركيا عن التصويت). وفي عهد السياسي الديمقراطي الاشتراكي بولنت أجاويد، سمحت الحكومة التركية لمنظمة التحرير الفلسطينية بفتح مكتب دبلوماسي في أنقرة في سنة 1979. ورُقي كل من البعثة الإسرائيلية والمكتب الدبلوماسي لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى مستوى السفارة في سنة 1991، في مؤشر على النهج المتوازن الذي تنتهجه تركيا تجاه الشعبين.

وعلى الرغم من انتهاج سياسة مؤيدة لأميركا خلال الحرب الباردة، فقد لجأت تركيا إلى تنويع خياراتها التجارية وأقامت علاقات تجارية مع الاتحاد السوفياتي في الستينيات والعالم العربي في الثمانينيات، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي في سنة 1991، حصلت خمس دول ناطقة باللغات التركية على استقلالها. ونتيجة لذلك، صارت السياسة الخارجية التركية أقوى وأكثر تأثيراً في العالمين الإسلامي والتركي.

وقد كانت الشؤون الفلسطينية تحظى باهتمام كبير داخلياً. ففي سبعينيات القرن الماضي، التحق العديد من الاشتراكيين الأتراك بالمعسكرات الفلسطينية في سورية ولبنان والأردن لأنهم رأوا في النضال الفلسطيني نذير ثورة اشتراكية عالمية. ومن ناحية أُخرى، كانت فلسطين لدى الإسلاميين جزءاً من أيديولوجيتهم القائمة على الدين، وبلغت ذروتها في تنظيم تظاهرة كبيرة من أجل القدس في مدينة قونية التركية المحافظة في سنة 1980 وفي عقد تجمع أصغر في ضواحي أنقرة في سنة 1997. (سبّب كلا التجمعين توتراً مع السلطات التي اعتبرت هذه الأحداث بمثابة غطاء اتخذه الأصوليون لتحدي النظام العلماني في تركيا).

وبغض النظر عن التداعيات الداخلية للقضية الفلسطينية في تركيا، أصبح التعاطف مع التطلعات الفلسطينية قوياً جداً على المستويين الحكومي والشعبي. وعبّر كل من سياسيي يسار الوسط ويمين الوسط بالإضافة إلى المنظمات السياسية اليسارية المتطرفة واليمين المتطرف في تركيا عن دعمهم لفلسطين. وعندما أعلن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات من الجزائر قيام دولة فلسطين المستقلة في سنة 1988، اعترفت تركيا بقيادة تورغوت أوزال، من اليمين الوسط، باستقلال فلسطين.

موازنة العلاقات مع فلسطين وإسرائيل

في التسعينيات، بدأت تركيا تعاوناً استراتيجياً وثيقاً مع إسرائيل، وهو تعاون ارتكز فعلياً على العلاقات السرية التي أقيمت في الخمسينيات. وحاولت تركيا الحفاظ على نهج متوازن بين الإسرائيليين والفلسطينيين: فكان القادة الأتراك يزورون الأراضي الفلسطينية كلما زاروا إسرائيل، إنما من دون أن يشكل التبادل التجاري موضوعاً ذا شأن على جدول الأعمال التركي – الفلسطيني، على عكس ما كان يدور في المحادثات التركية-الإسرائيلية. ففي تلك الحقبة، وسعت تركيا علاقاتها مع إسرائيل لتشمل الأبعاد الاقتصادية والثقافية والأكاديمية بالإضافة إلى التعاون العسكري، فيما وصل حجم التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار بحلول سنة 2015.

صعود حزب العدالة والتنمية سنة 2002

لكن التعاون التركي الواسع مع إسرائيل لم يدم طويلاً. فعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في سنة 2002، عارضت قيادته بشدة العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية). هذا لم يمنع رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان من زيارة إسرائيل في سنة 2005 والعمل على استمرار العلاقات الطبيعية مع إسرائيل وصولاً إلى استقبال الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ في أنقرة في سنة 2022. لكن حزب العدالة والتنمية وأردوغان كانت لديهما روابط قوية مع "حماس"، ولم يترددا في توجيه إدانة شديدة لأية عمليات إسرائيلية تستهدف الفلسطينيين. وأظهرت زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل إلى أنقرة في سنة 2006 مدى قوة العلاقات بين "حماس" والحكومة التركية، وكلاهما منبثقان من جماعة الإخوان المسلمين، الأولى رسمياً والأخيرة على نحو غير مباشر.

تدهورت العلاقات الإسرائيلية التركية في سنة 2010، عندما اعترضت البحرية الإسرائيلية سفينة المساعدات التركية ’مافي مرمرة’ المتجهة إلى قطاع غزة. كانت السفينة ضمن ’أسطول الحرية’ الذي ضم ثماني سفن حاولت خرق الحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة. صعدت قوات كوماندوز على متن السفينة وأطلقت النار على الناشطين فقتلت عشرة مواطنين أتراك. وبضغط من الرئيس الأميركي باراك أوباما، اعتذر رئيس الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف لرئيس الحكومة أردوغان عن مهاجمة السفينة في المياه الدولية.

فلسطين كمصلحة وطنية

وعلى الرغم من اهتمام كل من تركيا وإسرائيل بتطبيع العلاقات بينهما، فإن القضية الفلسطينية بقيت معلقة مثل سيف ديموقليس ومصدر توتر دائم بين البلدين. وطرحت الهجمات الإسرائيلية المتكررة على غزة تحديات جمة للحكومة التركية: حكمت حركة "حماس" قطاع غزة منذ سنة 2007، ونظراً إلى علاقاتها الوثيقة مع حزب العدالة والتنمية، أبدى إردوغان اهتماماً خاصاً بالقطاع. وأدانت حكومة أردوغان الحروب الإسرائيلية على غزة في السنوات 2008-2009 و2012 و2014 وغيرها من الهجمات المحصورة النطاق. وفي نواحٍ عديدة، صارت فلسطين قضية وطنية في أجندة حكومة حزب العدالة والتنمية ومحركاً لتعبئة قاعدتها وكذلك قطاعات أُخرى من المجتمع، الأمر الذي كان يحول دون تحسين العلاقات مع إسرائيل طالما ظلت القضية الفلسطينية من دون حل.

توقفت المحاولة الأخيرة للتطبيع مع إسرائيل سنة 2022 واتخذت منحى عكسياً في إثر هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وصنّف العديد من الخبراء الحملة الإسرائيلية المدمرة رداً على الهجوم، والتي دخلت في تموز/ يوليو 2024 شهرها العاشر، على أنها إبادة جماعية للشعب الفلسطيني. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، سحبت تركيا سفيرها من تل أبيب لكنها أبقت سفارتها مفتوحة. لكن القرار الذي خلّف التبعات الأكثر جدية هو فرض تركيا قيوداً تجارية على إسرائيل شملت الأسمنت والصلب والحديد ووقود الطائرات والألمنيوم وأنابيب الصلب من بين أشياء أُخرى. وفي 3 أيار/ مايو 2024، وفي خطوة جذرية، قررت تركيا وقف كل المبادلات التجارية مع إسرائيل. ويبقى أن نرى ما إذا كان مثل هذا القرار مستداماً على المدى الطويل.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2024/12/04
E.g., 2024/12/04

يرجى محاولة عملية بحث جديدة. لا يوجد أي نتائج تتعلق بمعايير البحث الحالية. هناك العديد من الأحداث في التاريخ الفلسطيني والجدول الزمني يعمل جاهدا لالتقاط هذا التاريخ.