يُمنح صك سنة 1740 في الوقت الذي يتحول فيه ميزان القوى ضد الإمبراطورية العثمانية
. كانت الإمبراطورية في حالة حرب مع بلاد فارس
منذ سنة 1724، ومع
.
جدول الأحداث الكلي
غالبا ما يُؤطَر التدخّل البريطاني التاريخي في فلسطين ضمن المرحلة الممتدة بين سنتي 1917 و1948، وهي السنوات التي شهدت صدور "تصريح بلفور"، واحتلال بريطانيا فلسطين وفرض الانتداب عليها، ثم انسحاب القوات البريطانية والإداريين البريطانيين عقب انتهاء الانتداب. غير أن هذه المرحلة سبقتها عقود من التحركات والنشاطات البريطانية في فلسطين ومحاولات متواصلة لتعزيز النفوذ البريطاني ومخططات استعمارية استيطانية واتصالات مبكرة مع الجماعات الصهيونية. وقد عكست السياسة الخارجية البريطانية آنذاك حرص لندن على مصالحها الإمبراطورية، إلى جانب تبنّيها أيديولوجيا صهيونية مسيحية كانت واسعة الانتشار بين الإنجيليين البروتستانت في العصر الفيكتوري. وقد مهّدت هذه التحركات البريطانية المبكرة الطريق لـ "تصريح بلفور" وسياسات الانتداب المؤيدة للصهيونية.
الاعتبارات الثقافية والسياسية
على مدى قرون، ولا سيما بعد الثورة التطهيرية في القرن السابع عشر التي عزَّزت الفكر البروتستانتي المتشدد، نشأت تصوّرات دينية وثقافية قوية ربطت بريطانيا بفلسطين في المخيال الإنكليزي. من بين هذه التصوّرات فكرة أن بريطانيا ستقود "استعادة" أو "عودة" اليهود في أنحاء العالم إلى الأرض المقدسة، كما ورد في نبوءات الكتاب المقدس (أو بالأحرى كما فسّرها الإنجيليون تفسيراً حرفياً). وفي أبرز تجليات هذا التصوّر، اعتقد بعض البريطانيين الفيكتوريين غير اليهود المنتمين إلى حركة "بني إسرائيل البريطانيين" أنهم الورثة الحقيقيون المتحدرون من سلالة العبرانيين التوراتيّين.
كانت سياسة بريطانيا تجاه فلسطين مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعلاقاتها مع الإمبراطورية العثمانية عموماً، لكنها اتّسمت بسمات خاصة نتيجة مطامع بريطانيا في الأرض المقدسة. فقد أقامت بريطانيا علاقات تجارية مع شرق المتوسط في ظل الحكم العثماني منذ أواخر القرن السادس عشر، لا سيما عبر "شركة المشرق" (Levant Company)، إلاّ إن النشاط السياسي ظل محدوداً حتى ثلاثينيات القرن التاسع عشر. وقد أتاح احتلال الأسرة المصرية فلسطين وسوريا مدة تسع سنوات ((1840-1831 بقيادة محمد علي وابنه إبراهيم باشا اللذين كانا أكثر تقبّلاً للتأثير الأوروبي من أسلافهم العثمانيين، فرصة لتكثيف النشاط الدبلوماسي الغربي والتبشيري في فلسطين.
خلال فترة الاحتلال المصري، بدأ بناء القنصلية البريطانية وكنيسة المسيح في القدس؛ وهي أول كنيسة بروتستانتية في الشرق الأوسط، وقد شُيّدت بداية بالشراكة مع بروسيا، القوة البروتستانتية الحليفة لبريطانيا. وفي المنطقة نفسها، قريباً من باب الخليل، كان مقر "الجمعية اللندنية لنشر المسيحية بين اليهود" التي تأسست سنة 1809، وسعت (من دون نجاح يُذكر) لتحويل اليهود إلى البروتستانتية. وعلى مدى العقود التالية، أُنشئت مؤسسات بريطانية متعددة في أنحاء فلسطين، من كنائس أنغليكانية ومواقع تبشيرية ومدارس ومستشفيات، قدّم بعضها خدمات للفلسطينيين المسلمين والمسيحيين. ومن أبرز الأمثلة على الممتلكات البريطانية في القدس مدرسة المطران (مدرسة السان جورج) التي تأسست سنة 1899، ودرس فيها لاحقاً إبراهيم طوقان وإدوارد سعيد، وأبناء الطبقة الوسطى والنخبة الفلسطينية في القدس. وقد بقيت المدرسة وغيرها من المؤسسات البريطانية تحت السيطرة البريطانية حتى سنة 1914، حين صادرتها السلطات العثمانية باعتبارها من ممتلكات الأعداء مع اندلاع الحرب العالمية الأولى.
ومن المفارقات أن بريطانيا، على الرغم من استفادتها من الاحتلال المصري لفلسطين، دعمت العثمانيين في استعادة السيطرة على شرق المتوسط سنة 1840، (تماماً كما دعمتهم في مواجهة نابليون بونابرت خلال حصار عكا سنة 1799). قدّمت بريطانيا وفرنسا دعماً عسكرياً ومالياً للإمبراطورية العثمانية على مدى عقود، ولا سيما في مواجهة خصمها الرئيسي، الإمبراطورية الروسية. وفي المقابل، كانت القوى الأوروبية تتوقع حرية أكبر في التحرك داخل الأراضي العثمانية، إضافة إلى الامتيازات التي كانت تتمتع بها بموجب نظام الامتيازات. وبعد أن ساندت بريطانيا وفرنسا العثمانيين في حرب القرم (1853–1856)، ضغطت القوتان الأوروبيتان من أجل إصدار فرمان الإصلاح سنة 1856 (ضمن ما يسمى "التنظيمات")، والذي منح حقوقاً إضافية للأقليات غير المسلمة. ولم تكن اعتباراتهما إنسانية محض، إذ سعت بريطانيا إلى تعزيز نفوذها في فلسطين من خلال الاعتراف بها بصفتها "الحامية" الشرعية للجالية اليهودية، بينما تولّت فرنسا حماية المسيحيين الكاثوليك. وقد ساهم هذا التدخل الأوروبي في تأجيج العنف الطائفي في لبنان وسوريا خلال ستينيات القرن التاسع عشر، إلاّ إن فلسطين بقيت بمنأى عن هذه الاضطرابات.
استمرت السياسة البريطانية "المؤيدة للعثمانيين" والتي جمعت بين دعم الإمبراطورية العثمانية والسعي لتقويض سيادتها بالتدريج، حتى سنة 1880، وهي السنة الذي انتهت فيها ولاية بنيامين دزرائيلي، أول رئيس وزراء بريطاني من أصل يهودي. وكان دزرائيلي قد زار فلسطين في شبابه، وكتب عدة روايات تدور أحداثها في الأرض المقدسة. أمّا حكومة ويليام غلادستون (William Gladstone) التي خلفته، فقد اتخذت موقفاً أكثر فتوراً تجاه السلطنة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876–1909) الذي اتسم حكمه بالمحافظة والتشدد تجاه الأقليات غير المسلمة. واستمر الوضع على هذه الحال حتى اندلاع المواجهات المباشرة بين بريطانيا وتركيا سنة 1914، في إطار الحرب العالمية الأولى.
انطلقت سياسات القوى الأوروبية الكبرى من قناعتها بأن الإمبراطورية العثمانية هي "رجل أوروبا المريض"، وأن انهيارها آتٍ لا محالة، مما سيؤدي إلى تنافس إمبريالي على اقتسام أراضيها. وقد أُطلق على هذا التنافس اسم "المسألة الشرقية". وكانت فلسطين محل أطماع خاصة لبريطانيا، لما تحمله من رمزية دينية بصفتها الأرض المقدسة، ولأهميتها الجيوسياسية. فمع افتتاح قناة السويس سنة 1869، صارت السيطرة على شرق المتوسط أمراً حيوياً لضمان التواصل البحري بين بريطانيا والهند. وفي سنة 1882، احتلت بريطانيا مصر التي كانت ما زالت اسمياً ضمن الدولة العثمانية، مما أوجب ترسيم حدود بين مصر وفلسطين.
كانت فلسطين أرضاً مرغوبة كذلك لأسباب أُخرى. فقد روّج بعض الرحالة الأوروبيين المنحازين أيديولوجياً لتقارير زعمت أن الفلاحين الفلسطينيين يهدرون الإمكانات الزراعية للمنطقة، وأن جعلها تابعة لمشروع استعماري يمكن أن يحوّلها إلى "سلة خبز" منتجة تخدم مصالح بريطانيا. واقترن هذا التصوّر أحياناً بالدعوة إلى إقامة مستعمرة يهودية بدعم بريطاني في فلسطين.
ومن منتصف القرن التاسع عشر حتى سنة 1914، زار آلاف الأوروبيين والأميركيين فلسطين سنوياً، من دبلوماسيين ومبشّرين وأعضاء في "صندوق استكشاف فلسطين"، إلى ضباط عسكريين رسموا خرائط استخدمها الجيش البريطاني لاحقاً في الحرب العالمية الأولى. كما سافر كثيرون بدافع المتعة الشخصية، ودوّنوا رحلاتهم في أدبيات الرحالة إلى الأرض المقدسة التي غذّت أدباً واسعاً قائماً على نظرة أوروبية واستشراقية لفلسطين. وفي سنة 1868، قاد توماس كوك (Thomas Cook)، المبشِّر المعمداني من شمال إنكلترا، أول جولة سياحية نظمتها شركته إلى مصر وفلسطين، مدشّنا بذلك السياحة الحديثة في المنطقة.
بريطانيا والصهيونية
لم يكن الإيمان بالدور البريطاني في إعادة اليهود إلى فلسطين فكرة مجردة فحسب، بل استند إلى تحقيق نبوءات توراتية وفق مَن اعتقدوا به. فقد وضع عدد من الشخصيات البريطانية خلال القرن التاسع عشر خططاً للاستيطان اليهودي في فلسطين، سواء على نطاق محدود أو على نطاق واسع. وبحلول مطلع القرن العشرين، دخلت الحكومة البريطانية في محادثات جدّية مع الحركة الصهيونية بشأن إنشاء "وطن قومي" لليهود ضمن الإمبراطورية البريطانية. وعلى الرغم من أنه، في حينه، غاب عن هذه المقترحات إلى حد كبير الخطاب الديني الصريح، فإن المعتقدات المستندة إلى الكتاب المقدس ظلّت جزءاً لا يتجزأ من قناعات النخب البريطانية وصنّاع القرار، مثل رئيس الحكومة في زمن الحرب ديفيد لويد جورج (David Lloyd George) ووزير خارجيته آرثر بلفور اللذين اعتبرا مطالبة اليهود بفلسطين مشروعة.
وقد يكون قرار بريطانيا بإنشاء قنصلية في القدس قد تأثر بأنطوني آشلي-كوبر (Anthony Ashley-Cooper) (1808–1885)، المعروف باسم اللورد شافتسبري(Lord Shaftesbury) ، الذي كان مقرّباً من اللورد بالمرستون (Lord Palmerston)، وزير الخارجية البريطاني بين سنتي 1830 و1841. كان شافتسبري شخصية بارزة في مجال الإصلاح الاجتماعي ومن أوائل الصهيونيين المسيحيين الذين آمنوا بشدة باستعادة اليهود فلسطين، وموّل على مدى عقود أولى الولى المشاريع الصهيونية.
ويكشف موقف اللورد بالمرستون أيضاً عن الخطط البريطانية لفلسطين. ففي 11 آب/ أغسطس 1840، بعد النجاح في إخراج القوات المصرية من بلاد الشام، بعث بالمرستون رسالة إلى السفير البريطاني في إستانبول اللورد بونسونبي (Lord Ponsonby) يقول فيها: "يوجد في الوقت الحاضر بين اليهود المشتتين في جميع أنحاء أوروبا فكرة قوية بأن الوقت يقترب عندما تعود أمتهم إلى فلسطين... سيكون من الأهمية بمكان للسلطان [العثماني] أن يشجع اليهود على العودة إلى فلسطين وتوطينهم فيها."
جاء معظم الدعم البريطاني للأفكار الصهيونية من شخصيات غير يهودية، مثل اللورد شافتسبري. أمّا اليهود البريطانيون، فكانوا أكثر انشغالاً بالسعي لنيل حقوقهم السياسية في بلد إقامتهم، وهو ما عارضه شافتسبري في سياق قانون تخفيف القيود عن اليهود سنة 1858. ومع ذلك، أبدى بعضهم اهتماماً خاصاً بفلسطين، أبرزهم المصرفي الإيطالي المولد السير موشيه مونتيفيوري (Sir Moses Montefiore) (1784–1885) الذي زار فلسطين عدة مرات وقدّم تبرعات للجالية اليهودية فيها، ولا سيما لمدرسة زراعية لليهود قرب يافا. وكان مونتيفيوري أول من اقترح إنشاء خط سكة حديد بين يافا والقدس سنة 1838، وأبدى استعداده للمساهمة المالية في المشروع حتى منتصف ستينيات القرن التاسع عشر. وقد أُنجز بناء السكة الحديد لاحقاً بين سنتي 1890 و1892، وسط آمال أوروبية بأن تُدخل نمط "التقدم" الغربي إلى داخل فلسطين.
أمّا جيمس فين (James Finn)، القنصل البريطاني في القدس بين سنتي 1846 و1863، فقد وظف جهوده لتوطيد الروابط بين بريطانيا واليهود في فلسطين. وعلى الرغم من كونه إنجيلياً ورعاً بلا أصول يهودية، فقد عُرف في القدس بلقب "ملك اليهود". وقد أثارت تدخّلاته المتكررة في شؤون الجالية اليهودية استياء دفع خلفاءه من القناصل البريطانيين إلى توخي الحذر في التعامل مع المستفيدين من الحماية البريطانية. وخلال حرب القرم، أسّس فين وزوجته إليزابيث آن فين مزرعة للعمال اليهود قرب القدس، في ما يُعرف اليوم بحي كيرم أفراهام في القدس الغربية، ممهداً بذلك لنمط المستعمرات الزراعية الصهيونية.
واضطلع السير لورنس أوليفانت (Sir Lawrence Oliphant) بدور مهم في ربط المستوطنين اليهود الأوائل بالنخب البريطانية. فبعد مسيرة مهنية شملت العمل كموظف استعماري ونائب برلماني وروائي ومتصوف مثير للجدل، زار أوليفانت فلسطين سنة 1879 سعياً لاختيار أراضٍ تصلح لإقامة مستعمرة يهودية. ونظراً إلى كثافة السكان وكذلك كثافة الأراضي المزروعة في فلسطين، رأى أن "فلسطين الشرقية" — وهو مصطلح فيكتوري يشير إلى الأردن المعاصر — هي الأنسب لهذا الغرض. وعلى الرغم من فشل جهوده في الضغط على المسؤولين العثمانيين والسلطان عبد الحميد الثاني، عاد أوليفانت إلى فلسطين واستقر قرب حيفا، حيث أقام علاقات وثيقة مع المستعمرات الزراعية الصهيونية، وواصل دعمها مالياً حتى وفاته سنة 1888.
في مطلع القرن العشرين، بدأ الساسة البريطانيون يُبدون اهتماماً متزايداً بالحركة الصهيونية الناشئة، ويوسعون نفوذهم داخل الجاليات اليهودية عبر عرض إقامة "وطن" لهم ضمن مناطق سيطرة الإمبراطورية البريطانية. كما سعت الطبقة الحاكمة البريطانية إلى الحد من تدفّق اللاجئين اليهود من روسيا إلى بريطانيا، وهو ما يفسّر دعم رئيس الحكومة آنذاك آرثر بلفور لقانون الأجانب لسنة 1905 الذي وضع حدوداً على هجرة اليهود الروس إلى بريطانيا. وبعد لقائه بثيودور هيرتسل، عرض وزير المستعمرات جوزيف تشامبرلين (Joseph Chamberlain) أراضي في العريش بسيناء المصرية سنة 1902، ثم في شرق أفريقيا البريطانية (ما عُرف بـ"مشروع أوغندا"، على الرغم من أن الأرض المقترحة كانت في كينيا المعاصرة) سنة 1903. ومع ذلك، نشأت علاقة قوية بين الحركة الصهيونية والقادة البريطانيين، أثمرت لاحقاً في مفاوضات حاييم وايزمان صدور "تصريح بلفور".
قضية فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى
في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1914، أعلنت بريطانيا الحرب على الإمبراطورية العثمانية، فتحوّل سعيها لتعزيز نفوذها في فلسطين من الوسائل الثقافية والدبلوماسية والتبشيرية إلى حملة عسكرية تهدف إلى إنزال الهزيمة بالعثمانيين واحتلال أراضيهم. وقد دافع عن هذا الهدف هربرت صامويل (Herbert Samuel) الذي صار لاحقاً أول مندوب سامٍ لبريطانيا في فلسطين، في مذكرة رفعها إلى الحكومة البريطانية بعنوان "مستقبل فلسطين" في كانون الثاني/ يناير 1915.
خلال الحرب العالمية الأولى، قدمت بريطانيا ثلاثة وعود متعارضة. فقد وعدت النخب العربية، وعلى رأسها أسرة الشريف حسين بن علي، شريف مكة، بدعم إقامة دول عربية مستقلة تشمل فلسطين، وذلك من خلال "مراسلات حسين–مكماهون" بين سنتي 1915 و1916. وفي الوقت نفسه، تفاوضت بريطانيا سراً في تشرين الثاني/ نوفمبر 1915 وكانون الثاني/ يناير 1916، مع فرنسا وروسيا على "اتفاقية سايكس–بيكو" التي قسّمت أراضي الدولة العثمانية في شرق المتوسط بين القوتين الأوروبيتين، على أن توضع فلسطين تحت إدارة دولية. ثم جاء "تصريح بلفور"، الصادر في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، ليعلن رسمياً دعم بريطانيا إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
سعت بريطانيا من خلال مراسلاتها مع الشريف حسين إلى كسب الدعم العربي لأهدافها الحربية، ومن خلال "تصريح بلفور" إلى الحصول على تأييد اليهود. لكن حين كُشف النقاب عن ذلك التصريح وعن "اتفاقية سايكس–بيكو"، سادت حالة من الاستياء والخذلان في الأوساط العربية.
عانى الفلسطينيون خلال الحرب جرّاء التجنيد الإجباري في الجيش العثماني، والقمع السياسي، ولا سيما تجاه النزعة القومية العربية، والمجاعة التي فاقمها استيلاء الجيش على المواد الغذائية، إلى جانب اجتياح الجراد المدمر سنة 1915، ووصول موجات من اللاجئين، وخصوصاً الأرمن الفارين من الإبادة الجماعية.
تركّزت المعارك في فلسطين بين سنتي 1917 و1918، ضمن حملة سيناء وفلسطين التي قادتها بريطانيا. تقدّمت القوات البريطانية، إلى جانب قوات الأنزاك (الفيلق الأسترالي والنيوزيلندي) والقوات الهندية، نحو رفح وغزة ثم بئر السبع، متسببة بدمار واسع لممتلكات الفلسطينيين وأراضيهم، من أبرز مظاهره تضرّر المسجد العمري في غزة. وفي 11 كانون الأول/ ديسمبر 1917، دخل الجنرال إدموند أللنبي (Edmund Allenby) القدس القديمة دخول المنتصر، بعد أن سيطرت قواته على المدينة. واستمرت المعارك ضد القوات العثمانية في مناطق أُخرى من فلسطين حتى توقيع هدنة مودروس في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1918.
شاركت في الحملة على فلسطين كتائب الفيلق اليهودي التي شكّلتها بريطانيا بدعم من الحركة الصهيونية، وضمت يهوداً تطوّعوا للقتال ضد العثمانيين. وبحسب القانون البريطاني، ظلّ الحكم البريطاني لفلسطين يُعدّ احتلالاً عسكرياً لأرض معادية حتى أقر "مؤتمر سان ريمو" الذي عقده الحلفاء منح بريطانيا الانتداب على فلسطين في نيسان/ أبريل 1920، وهو الانتداب الذي أقرته "عصبة الأمم" في تموز/ يوليو 1922.