المؤتمر العربي الفلسطيني الأول
تقرير مرفوع الى مؤتمر باريس للسلام
القدس، شباط/ فبراير 1919
ان سوريا الجنوبية التي يطلق عليها اسم فلسطين تؤلف من متصرفيات ثلاث : نابلس وعكا والقدس الشريف وسكان هذه المقاطعات من بدو وحضر يبلغون ما ينوف عن ميليون نفس منهم ثمانون الفا وخمسمئة اسرائيلي متفرقون هنا وهناك والباقي يجمعهم اصلهم العربي ومساحة هذه المقاطعات الزراعية نحو من سبعة عشر الفا وخمسماية كيلومتر مربع منها اربعماية وخمسون (450) كيلومترا مربعا اشتراه الاسرائيليون اخيرا كما يثبت ذلك من هذا التقرير وكما يمكن تحققه من اي مصدر كان.
فلما بلغ سكان هذه المقاطعات بعد ان اتصلوا ببقية العالم ان اليهود اخذوا وعدا يجعل بلادنا هذه وطنا قوميا لهم وكان ذلك ضد مصلحتهم ومجحفا بحقوقهم والوا الاحتجاجات الافرادية في الانحاء المتفرقة ثم استقر رأيهم على عقد مؤتمر عام فأوفدونا نحن المندوبين الى مدينة القدس وعقدنا حسب القانون المتقدم للحكومة في حينه اول جلسة من مؤتمرنا بتاريخ / 27 كانون ثاني 919 وتقرر لدينا ان نرفع هذا الاحتجاج الى المؤتمر العظيم هادمين ببراهيننا القاطعة جميع ما بناه الصهيونيون في اوروبا واميركا من البنيان الواهي في جعل وطننا فلسطين وطنا قوميا لهم.
فأولاً : ان الصهيونيين يطلبون هذه البلاد باسم التاريخ بدعوى انها كانت بلادهم في العهد القديم والحال ان هذه البلاد ليست منبتهم الاصلي فقد اتى اجدادهم من بين النهرين وهاجروا الى مصر وسكنوها اربعماية عام ثم اتوا الى هذه البلاد فتملكوا قسما منها لم يتعد الجبال ولم يتملكوا السواحل قط كما اثبت ذلك علماء التاريخ ودام توطنهم فيها مدة قصيرة مضى نصفها وهم محكومون مستعبدون ثم انجلوا عنها في انحاء الارض منذ اكثر من الفي سنة ولم يتركوا فيها من الآثار والعلاقات والحقوق شيئا يخولهم التمسك به وحق الرجوع من اجله. أما نحن العرب فقد سكنا البلاد قبل اليهود كما يثبته تاريخهم الديني ثم تم الفتح الاسلامي قبل ثلاثة عشر قرنا فتواردت قبائل العرب وتحضرت ومضى عليهم الف وثلاثماية سنة وهم يحافظون عليها بدمائهم ضد كل عادية ويحافظون معها على المعاهد الدينية الاسلامية والمسيحية ويحتفظون بقوميتهم وتقاليدهم العربية البحتة.
فاذا كانت دولة فرنسا اثبتت ان الالزاس واللورين هي بلاد فرنساوية مع انها لم تضم اليها الا منذ مائتي عام وكانت قبل ذلك جرمانية فكيف يحق لليهود ان يمحوا حكما لنا دام في هذه البلاد نحو الف وثلاثماية عام ولا يزال ابناء اولئك الآباء يتصرفون في البلاد تصرفا مطلقا وان يرجعوا بالتاريخ قبل الفي عام ليثبتوا ان بسكناهم القصيرة في هذه البلاد جاز لهم ان يدعوها لهم الآن ويعودوا اليها ويخلقوا فيها وطنا يهوديا ويميتوا وطنية ميليون من العرب وقوميتهم . اننا نترك جواب ذلك لضمير كبار ساسة الدول العظمى. هذا من جهة علاقتهم التاريخية والسياسية اما العلاقة الدينية التي يدعونها فليست من القوة بمكان. لأنه ليس لهم في بلادنا شيء من المعابد الرسمية القديمة والهياكل الدينية في حال ان العرب من مسلمين ومسيحيين يرتبطون بها ارتباطا دينيا شديدا ففيها الجامع الاقصى وهو القبلة الأولى للمسلمين والحرم الثالث بعد مكة والمدينة المشرفتين الذي يرتبط به قلوب ثلاثماية ميليون وزيادة من المسلمين وفيها جامع الخليفة الثاني العربي عمر ومقامات مباركة كثيرة يقدسها المسلمون ليس في القدس فقط بل وفي جميع المجال البلاد وكذلك المسيحيون فان لهم ما عدا القدس التي تحوي على اماكن مهبط دينهم كثيرا من الأماكن الدينية في الناصرة وبيت لحم وجبلي طابور والكرمل وغير ذلك من الاماكن التي يقدسها ويحترمها ويرتبط بها أكثر من ثمانماية ميليون من المسيحيين، والذي يراجع تاريخ المدة التي حكم فيها اليهود بظهر له عدم صلاحيتهم للحكم الذاتي فان أيامهم كانت ايام فوضى وشقاق وقتل نفوس وانبياء مما جعل عصرهم عصر دم لم يترك للعلم والتمدن منفذا إلى اخلاقهم في الوقت الذي كان العرب فيه في حال مجدهم واستقلالهم نقطة دائرة العلم والاختراعات والسياسة والمدنية فكيف يأتي الصهيونيون الآن ويدعون ان مرادهم اصلاحنا وتمدين امتنا وترقية اخلاقنا وهم احرج الى هذه الأمور. وان اجتماع كلمتهم في مكان واحد يعيد لنا عصر الشقاق الذي يحفظه لهم العالم بخلاف العرب الذين اذا استقلوا ونالوا حريتهم اعادوا للبلاد التي يقطنونها سعادة العيش كما فعل اجدادهم.
ثانيا : ان الصهيونيين يطلبون هذه البلاد بالوعد الذي قالوا انه صدر من المستر بلفور المشروط فيه ان لا يضر ذلك بأهل البلاد وتقاليدهم المادية والادبية فهو اذا وعد كأنه لم يكن لان الضرر حاصل وليس الضرر فقط بل الخراب والفناء لامتنا العربية لا سمح الله كما يثبت ذلك اولا: من عدم قابلية الصهيونيين للامتزاج مع غيرهم فهم اذا سكنوا بلدة أو حيا او قرية ابعدوا من كان بينهم من غير اجناس وانفردوا لأنفسهم لا يتعاملون ولا يتصادقون مع غير انفسهم بحال من الاحوال ولدينا شواهد مرئية كثيرة تؤيد ذلك حتى غدا فيهم هذا الطبع متأصلا كتقليد روحي واخلاقي. ثانيا : من انهم وهم القليلون الآن جدا في بلادنا يضيقون موارد الحياة بما يستعملونه من وسائل الاحتكار وعدم الامتزاج فكيف اذا كثروا في البلاد وانتشروا فيها وانتزعوا من الاهلين حقهم الاداري والسياسي؟ ثالثا : من بدئهم منذ الآن بالمجاهرة في الحقارات الدينية للمسلمين والمسيحيين كما جرى مؤخرا في مدينتي يافا والرملة وغيرهما مما يدل دلالة واضحة على ما يضمرونه لنا في المستقبل على ان وعد المستر بلفور ربما كان مصدره امرين اولهما : ادعاء اليهود انهم الاكثرية في فلسطين نفوسا واملاكا واموالا وهو ادعاء كاذب ، وثانيها : انهم كانوا مضطهدين في هذه البلاد مع ان النفوذ كان للاجانب منهم في الحكومة التركية واما الوطنيون منهم فما كانوا يزيدون عن عشرين الفا كلهم مستعربون يجهلون لغتهم وما تسممت افكارهم الا من الدسائس الصهيونية ودخولها في بلادنا فناقرونا من ذلك الحين وخرجوا من احيائنا وقاطعونا مع اننا كنا واياهم واحدا مما يدل على صحة ما قلناه من استحالة امتزاج هذا الشعب مع شعب آخر. وفضلا عن هذا وذاك فان كافة الوعود والمعاهدات المنعقدة اثناء الحرب هي كما صرح الرئيس ويلسون ينبغي ان تكون ملغاة غير سارية على الامم التي يجب ان تكون مختارة في قبولها وعدمه .
ثالثا : ان الصهيونيين قد يطلبون بلادنا بدعوى انهم من الشعوب الضعيفة التي وعدها الحلفاء بالحرية وانهم استنادا على ذلك يحق لهم التحرر اولا ثم انتقاء البلاد التي تتجلى فيها حريتهم بكافة معانيها ولهذا يختارون فلسطين ثانيا ؟ اما الطلب الأول فمردود لانه لا يوجد في العالم شعب يقال له الشعب اليهودي بل يوجد ديانة يهودية تشمل يهود فرنسا وانكلترا والنمسا واميركا كما انه توجد ديانة اسلامية تشمل مسلمي الهند وجاوا وفيليبين وبلاد العرب وكما توجد ديانة مسيحية تشمل مسيحيي القارات الخمس على اختلاف اجناسهم . واما الطلب الثاني فاذا حق لأمة من جميع اطراف العالم
ان تختار المقاطعة التي تريدها لتمتلكها وتضايق سكانها بدعوى انها كانت لها من قبل فنحن يحق لنا مثلا ان نطلب اسبانيا او قبرص فهل تجوزون ذلك ؟ اما اذا ارادوا ان يقولوا انهم من جملة الشعوب التي تحررت في تركيا فهو مردود لانه لا يوجد في تركيا منهم غير مائتي الف وهم متفرقون في كل ناحية وليس لهم في هذه الألوية الثلاثة الا ثمانون الفا مقابل ميليون من العرب فليس من العدل ان تكون هذه الأقلية الساكنة في فلسطين سببا لاعتبار اثني عشر ميليونا من الاسرائيليين متفرقين في العالم متجنسين بالجنسيات الاجنبية المتنوعة شعبا مستقلا يحق له امتلاكها وانشاء وطن قومي له فيها . واذا كان ولا بد من ان يعطى لهم وطن قومي ففي الدنيا كثير من الممالك الخالية ما فيه غنى عن ظلم شعب آمن باستلاب وطنه وحقه واعطائها لامة اخرى متفرقة في جميع انحاء الارض .
رابعا : ان ما في يد اليهود من الاملاك والعقارات والاراضي في هذه البلاد لا يوازي أكثر من جزء من اربعين ونفوسهم ليست الا كنسبة التسعة للماية فمقاطعة القدس ومساحتها نحو سبعة آلاف وخمسماية كيلومتر مربع ونفوسها نحو من اربعماية الف ليس فيها غير خمسين الفا من اليهود وليس لهم أكثر من ماية وأحد عشر كيلومترا مربعا، ومقاطعة نابلس ومساحتها نحو من خمسة آلاف وخمسماية كيلومتر مربع ونفوسها نحو من مائتي الف ليس فيها غير خمسين يهوديا وليس لهم فيها أكثر من خمسة كيلومترات مربعة ومقاطعة عكا ومساحتها نحو من اربعة آلاف وخمسماية كيلومتر مربع ونفوسها نحو من (170000) مائة وسبعين الفا ليس لهم فيها غير ثلاثماية وتسعين كيلومترا مربعا وليس فيها من اليهود غير ثلاثين الفا وهذا خلاف العرب البدو الذين لا يساكنهم من اليهود احد.
هذا واننا لتنوير اذهان ساسة المؤتمر نقول انه فضلا عن اقلية اليهود هذه ليس لهم على الأهلين شيء كبير من الديون ولا في يدهم امتیازات عمومية أو عقود مع الدولة السابقة او الاهلين تخولهم ادنى اولوية وحق في عمل من الاعمال الاقتصادية او الاستعمارية في فلسطين. ذلك ما يساعدنا على رفع صوتنا الى كل قوة حاكمة في العالم المتمدن محتجين اشد الاحتجاج على مطالب الصهيونيين ومزاعمهم رافضين كل مهاجرة اسرائيلية الى هذه البلاد العربية التي خولها الحلفاء حق اختيار نوع الحكم الذي تريده فبالأولى ان يكون لنا ايضا حق المحافظة على بلادنا وان الحق الذي يخول دولة بريطانيا العظمى وهي على ما هي عليه من القوة والمنعة والثروة سن قانون سنة 1912 و 1914 بمنع مهاجرة اليهود الى بلادها وحكومة اميركا بمنع الصينيين وحكومة أوستراليا بمنع الآسيويين ليعطينا الحق بدرجة اولى ان نطلب منع مهاجرة اليهود ومنع تملكهم واستعمارهم للاضرار العظيمة التي تلحقنا منهم. اما المستعربون منهم الموجودون في مقاطعتنا قبل الحرب فهم مثلنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
ان مندوبي سوريا الجنوبية اي فلسطين المجتمعين في القدس والرافعي هذا الاحتجاج الى مؤتمر السلم هم على ثقة تامة بأنه متى ما عرف حجتنا وبراهيننا والاضرار التي تلحق بنا يثبت حقوقنا في بلادنا ويمنع عنا عادية الصهيونيين وادعاءاتهم وهجرتهم ويترفع من ان يسمح لهم باتخاذها وطنا قوميا.
المصدر: "تقرير تاريخي وسياسي من المؤتمر العربي الفلسطيني الأول إلى مؤتمر الصلح في باريس". في "وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، 1918-1939: من أوراق أكرم زعيتر". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1979، ص 14-16.